(إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً) : أي عظة وعبرة توجب الإيمان برب العالمين برب موسى وهرون.
معنى الآيات :
هذا آخر قصة موسى عليهالسلام مع فرعون قال تعالى في بيان نهاية الظالمين وفوز المؤمنين (فَلَمَّا تَراءَا) (١) (الْجَمْعانِ) جمع موسى وجمع فرعون وتقاربا بحيث رأى بعضهما بعضا (قالَ أَصْحابُ مُوسى) أي بنو إسرائيل (إِنَّا لَمُدْرَكُونَ) أي خافوا لما رأوا جيوش فرعون تتقدم نحوهم صاحوا (إِنَّا لَمُدْرَكُونَ) فطمأنهم موسى بقوله (كَلَّا) (٢) أي لن تدركوا ، وعلل ذلك بقوله (إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ) إلى طريق نجاتي قال تعالى (فَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنِ اضْرِبْ) أي اضرب بعصاك البحر فضرب امتثالا لأمر ربه فانفلق البحر فرقتين كل فرقة (٣) منه كالجبل العظيم (وَأَزْلَفْنا) (٤) أي قربنا (ثَمَّ الْآخَرِينَ) أي أدنينا هناك الآخرين وهم فرعون وجيوشه (وَأَنْجَيْنا مُوسى وَمَنْ مَعَهُ) أي من بني إسرائيل (أَجْمَعِينَ) (ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ) المعادين لبني إسرائيل وهم فرعون وجنده. قوله تعالى (إِنَّ فِي ذلِكَ) المذكور من إهلاك فرعون وإنجاء موسى وبني إسرائيل (لَآيَةً) أي علامة واضحة بارزة لربوبية الله وألوهيته وقدرته وعلمه ورحمته وهي عبرة وعظة أيضا للمعتبرين ، وما كان أكثر قومك (٥) يا محمد مؤمنين مع موجب الإيمان ومقتضيه لأنه سبق في علم الله أنهم لا يؤمنون.
وقوله (وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) أي وإن ربك يا محمد لهو الغالب على أمره الذي لا يمانع في شيء يريده ولا يحال بين مراده الرحيم بعباده فاصبر على دعوته وتوكل عليه فإنه ناصرك ومذل أعدائك.
__________________
(١) الترائي : تفاعل إذ هو من الجانبين كل جانب رأى الثاني.
(٢) ردع موسى عليهالسلام بقوله كلّا الظانين أنّ فرعون مدركهم وعلل لعدم إدراك فرعون بقوله : (إن معي ربي سيهدين) أي : سيبيّن لي سبيل النجاة فنسلكه فننجوا بإذن الله.
(٣) (الفرق) : القسم من الشيء المنفلق ، وعليه فالفرقة : القسمة من البحر التي كانت كالجبل العظيم. ولذا قال ابن عباس : صار البحر اثنى عشر طريقا لكل سبط طريق أي : لكل قبيلة من قبائل بني اسرائيل طريق خاص بها فالبحر انقسم قسمين كان ما بين جانبيه كالفج العظيم ، وفي ذلك الفجّ كانت طرق بني اسرائيل.
(٤) (أَزْلَفْنا) أي : جمعنا وقرّبنا فرعون وملأه لإغراقهم وإهلاكهم وسميت مزدلفة ليلة جمع : لازدلافها : أي لقربها من منى أو عرفات وسميت ليلة جمع لاجتماع الحجاج فيها ، قال الشاعر :
وكل يوم مضى أو ليلة سلفت |
|
فيها النفوس إلى الآجال تزدلف |
(٥) القرطبي رحمهالله تعالى رد الضمير في قوله تعالى : (وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ) إلى فرعون وملئه فقال : لأنه لم يؤمن من قوم فرعون إلا مؤمن آل فرعون واسمه حزقيل وابنته آسيا امرأة فرعون ... الخ في حين أن أكثر المفسرين على أنّ الخطاب للنبي صلىاللهعليهوسلم وهو وجه العبرة من السياق.