يفعلون ففعلنا مثلهم اقتداء بهم واتباعا لطريقتهم ، وهنا صارحهم إبراهيم بما يريد أن يفهموه عنه فقال (أَفَرَأَيْتُمْ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ أَنْتُمْ وَآباؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ) الذين هم أجدادكم الذين ورث عنهم آباؤكم هذا الشرك والباطل (فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي) أي أعداء لي وذلك يوم القيامة إن أنا عبدتهم معكم ، لأن كل من عبد من دون الله يتبرأ يوم القيامة ممن عبده ويعلن عداوته له طلبا لنجاة نفسه من عذاب الله. وقوله (إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ) فإنه لا يكون عدوا لمن عبده بل يكون ودودا له رحيما به. ألا فاعبدوه يا قوم واتركوا عبادة من يكون عدوا لكم يوم القيامة!!
ثم أخذ إبراهيم يذكر ربه ويثني عليه ويمجده تعريفا به وتذكيرا لأولئك الجهلة المشركين فقال (الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ (١) يَهْدِينِ) أي إلى طريق نجاتي وكمالي وسعادتي وذلك ببيانه لي محابه لآتيها ، ومساخطه لأتجنبها ، (وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ) أي يغذونى بأنواع الأطعمة ويسقيني بما خلق ويسر لي من أنواع الأشربة من ماء ولبن وعسل ، (وَإِذا مَرِضْتُ) بأن اعتل جسمي وسقم فهو لا غيره يشفيني ، (وَالَّذِي يُمِيتُنِي) يوم يريد إماتتي عند انتهاء ما حدد لي من أجل تنتهي به حياتي ، ثم يحييني يوم البعث والنشور ، (وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي) (٢) أي يسترها ويمحو أثرها من نفسي يوم الدين أي يوم الجزاء والحساب على عمل الإنسان في هذه الدار إذ هي دار عمل والآخرة دار جزاء.
وإذا قيل ما المراد من الخطيئة التي ذكر إبراهيم لنفسه؟ فالجواب إنها الكذبات الثلاث التي كانت لإبراهيم طوال حياته الأولى قوله (إِنِّي سَقِيمٌ) والثانية (بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا) والثالثة قولي للطاغية إنه أخي ولا تقولي إنه زوجي ، هذه الكذبات التي كانت لإبراهيم فهو خائف منها ويوم القيامة لما تطلب منه البشرية الشفاعة عند ربها يذكر هذه الكذبات ويقول إنما أنا من وراء وراء فاذهبوا إلى موسى.
ألا فليتعظ المؤمنون الذين كذبهم لا يعد كثرة!!
__________________
(١) حذفت الياء في (يَهْدِينِ) و (يَسْقِينِ) و (يَشْفِينِ) و (يُحْيِينِ) لأنّ الحذف في رؤوس الآي حسن لتتفق كلهما.
(٢) روى مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت : قلت يا رسول الله إن ابن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم ويطعم المسكين فهل ذلك نافعه؟ قال : لا إنّه لم يقل يوما رب اغفر لي (خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ).