ونطيعك (فَأْتِ (١) بِآيَةٍ) علامة قوية ودلالة صادقة تدل على أنك رسول الله حقا وأنت من الرسل الصادقين ، فأجابهم صالح بما أخبر تعالى به عنه في قوله : (قالَ هذِهِ ناقَةٌ) أي عظيمة الخلقة سأل ربه آية فأعطاه هذه الناقة فما زال قائما يصلي ويدعو وهم يشاهدون حتى أنفلق الجبل وخرجت منه هذه الناقة الآية العظيمة فقال (هذِهِ ناقَةٌ لَها شِرْبٌ) (٢) أي حظ ونصيب من ماء البلد تشربه وحدها لا يرد معها أحد ولكم أنتم شرب يوم معلوم لكم تردونه وحدكم. (وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ) وحذرهم أن يمسوها بسوء لا بضرب ولا بقتل ولا بمنع من شرب ، فإنه يأخذكم عذاب يوم عظيم قال تعالى (فَعَقَرُوها) أي فكذبوه وعصوه وعقروها بأن ضربوها في يديها ورجلها فبركت وقتلوها. فلما عقروها قال لهم صالح (تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ) فأصبحوا بذلك نادمين (٣) ففي صبيحة اليوم الثالث أخذتهم الصيحة مع شروق الشمس فاهلكوا أجمعين ونجى الله تعالى صالحا ومن معه من المؤمنين (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً) أي علامة كبرى على قدرة الله تعالى وعلمه وأنه واجب الألوهية (وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ (٤) مُؤْمِنِينَ) (٥) مع وضوح الأدلة لأنه لم يسبق لهم إيمان في قضاء الله وقدره (وَإِنَّ رَبَّكَ) أيها الرسول لهو وحده العزيز الغالب الذي لا يغالب الرحيم بأوليائه وصالحي عباده.
هداية الآيات
من هداية الآيات :
١ ـ تقرير أن السحر من عمل الناس وأنه معلوم لهم معمول به منذ القدم.
٢ ـ سنة الناس في المطالبة بالآيات عند دعوتهم إلى الدين الحق.
٣ ـ وجود الآيات لا يستلزم بالضرورة إيمان المطالبين بل أكثرهم لا يؤمنون.
٤ ـ الندم من التوبة ولكن لا ينفع ندم ولا توبة عند معاينة العذاب أو أماراته.
__________________
(١) قال ابن عباس رضي الله عنهما قالوا : إن كنت صادقا فادع الله يخرج لنا من هذا الجبل ناقة حمراء عشراء فتضع ونحن ننظر وترد هذا الماء فتشرب وتغدو علينا بمثله لبنا فدعا وفعل الله ذلك. فقال ؛ (هذِهِ ناقَةٌ ...) الخ.
(٢) الشرب بكسر الشين وسكون الراء : النوبة في الماء للناقة يوما تشرب فيه لا يزاحمونها فيه بأنعامهم وأنفسهم.
(٣) إن قيل : لم ما ينفع الندم وهو توبة فالجواب التوبة تنفع قبل ظهور علامات الموت والعذاب أما بعد ظهور ذلك فلا توبة تقبل وفي الحديث : (إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر).
(٤) كان : مزيدة لتقوية الكلام ، والعبارة جائز أن يراد بها قوم صالح إذ لم يؤمن منهم إلا القليل ، وأن يراد بها كفّار مكة إذ أكثر المكابرين ما آمن ومات كافرا أو ما آمن في تلك الفترة ثم آمن بعد الفتح.
(٥) قيل : ما آمن معه إلّا ألفان وثمانمائة رجل وامرأة وأنّ قومه كانوا اثنى عشر ألف قبيل كل قبيل نحو : اثنى عشر ألفا من سوى النساء والذرية وكان قوم عاد مثلهم ثلاث مرات. ذكر هذا القرطبي في تفسيره ولم يعزه لأحد.