الرسول عليهالسلام بقوله (إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقالِينَ) (١) أي إني لعملكم الفاحشة من المبغضين أشد البغض ، ثم التفت إلى ربه داعيا ضارعا فقال (رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ) وهذا بعد أن أقام يدعوهم ويتحمل سنين عديدة فلم يجد بدا من الفزع إلى ربه ليخلصه منهم فقال (رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي) من عقوبة وعذاب ما يعملونه من إتيان الفاحشة من العالمين قال تعالى (فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ) وهم امرأته المسلمة وابنتاه المسلمتان طبعا (إِلَّا عَجُوزاً) وهي امرأته الكافرة المتواطئة مع الظلمة الراضية بالفعلة الشنعاء كانت في جملة الغابرين (٢) أي المتروكين بعد خروج لوط من البلاد لتهلك مع الهالكين قال تعالى (ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ) أي بعد أن أنجينا لوطا وأهله أجمعين باستثناء العجوز الكافرة دمرنا أي أهلكنا الآخرين (وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَساءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ) إنه بعد قلب البلاد سافلها على عاليها أمطر عليهم مطر حجارة من السماء لتصيب من كان خارج المدن المأفوكة المقلوبة.
قوله تعالى (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً) أي في هذا الذي ذكرنا من إهلاك المكذبين والمسرفين الظالمين آية وعلامة كبرى لمن يسمع ويرى (وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ) (٣) لما سبق في علم الله تعالى أنهم لا يؤمنون فسبحان الله العظيم. وقوله (وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) وإن ربك يا رسولنا هو لا غيره العزيز الغالب القاهر لكل الظلمة والمسرفين الرحيم بأوليائه وعباده المؤمنين.
هداية الآيات
من هداية الآيات :
١ ـ التهديد بالنفي سنة بشرية قديمة.
__________________
(١) القلى : البغض يقال : قليته أقليه قلى وقلاء قال الشاعر :
عليك السّلام لا مللت قريبة |
|
ومالك عندي أن نأيت قلاء |
أي قلى.
(٢) فعل (غبر) يطلق على البقاء والذهاب كالجون : يطلق على الأبيض والأسود قال الشاعر :
فما وني محمد منذ أن غفر |
|
له الإله ما مضى وما غبر |
أي : ما بقي.
والأغبار : بقيات الألبان. قال الشاعر :
لا تكسع السول بأغبارها |
|
إنك لا تدري من الناتج |
يقال كسع الناقة : ترك في ضرعها بقية من اللبن ، وبعده البيت التالي :
واحلب لأضيافك ألبانها |
|
فإن شر اللبن الوالج |
(٣) إذ لم يؤمن إلا إحدى نسائه وابنتاه.