ماضين في قولهم فيمدحون ويذمون ، يهجون ، ويفخرون ، ويدعون أنهم فعلوا كذا وكذا وما فعلوا فهل محمد صلىاللهعليهوسلم الذي اتهمتموه بأنه شاعر وما يقوله من جنس الشعر أتباعه (١) غاوون انظروا إليهم واسألوا عنهم فإنهم أهدى الناس وأبرهم فعلا وأصدقهم حديثا وأبعدهم عن الريبة ، فلو كان محمد شاعرا لكان أتباعه الغاوين فبذا بطلت الدعوى من أساسها.
وقوله (إِلَّا الَّذِينَ (٢) آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَذَكَرُوا اللهَ كَثِيراً وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا) إنه لما ذم الشعراء ، استثنى منهم أمثال : عبد الله بن رواحة وحسان بن ثابت ممن آمنوا وعملوا الصالحات وانتصروا يردون هجاء المشركين لرسول الله صلىاللهعليهوسلم وينافحون عن الإسلام وأهله بشعرهم الصادق النقي الطاهر الوفي.
وقوله تعالى (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا) رسول الله باتهامه بالكهانة مرة وبالشعر مرة أخرى وظلموا الوحي الإلهي بوصفه بما هو بعيد عنه من الكهانة والشعر (أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) أي أي مرجع يرجعون إليه ، إنه النار وبئس القرار.
هداية الآيات
من هداية الآيات :
١ ـ إبطال فرية المشركين من أن القرآن من جنس ما يقوله الكهان.
٢ ـ إبطال أن الرسول صلىاللهعليهوسلم كاهن وشاعر.
٣ ـ بيان أن الشياطين تتحد مع ذوي الأرواح الخبيثة بالإفك والآثام.
٤ ـ بيان أن الشعراء المبطلين أتباعهم في كل زمان ومكان الغاوون الضالون.
٥ ـ جواز نظم الشعر وقوله في تقرير علم أو تسجيل (٣) حكمة ، أو انتصار (٤) للإسلام والمسلمين بالرد على من يهجو الإسلام والمسلمين.
٦ ـ التحذير من عاقبة الظلم فإنها وخيمة.
__________________
(١) من كان أتباعه غاوين لا يكون هو إلّا غاويا بل أشد غواية.
(٢) في الآية دليل على جواز دراية الشعر الحسن فقد روى مسلم أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال يوما لعمر بن الشريد : هل معك من شعر أمية بن أبي الصلت شيء؟ ، قال : نعم ، قال : هيه ، فأنشدته بيتا فقال : هيه ، حتى أنشدته مائة بيت.
(٣) روى عن ابن سيرين أنه أنشد شعرا فقال له بعض جلسائه : مثلك ينشد الشعر يا أبا بكر؟ فقال : ويلك يالكع : وهل الشعر إلّا كلاما لا يخالف سائر الكلام إلا في القوافي فحسنه حسن وقبيحه قبيح.
(٤) من شعر نصرة الحق قول عبد الله بن رواحة رضي الله عنه والرسول صلىاللهعليهوسلم يمشي بين يديه وذلك يوم الفتح :
خلو بني الكفار عن سبيله |
|
اليوم نضربكم عن تنزيله |
ضربا يزيل الهام عن مقبله |
|
ويذهل الخليل عن خليله |
ومنه قول حسان :
هجوت محمدا فأجبت عنه |
|
وعند الله في ذاك الجزاء |
فإن أبي ووالدتي وعرضي |
|
لعرض محمد منكم وقاء |