ظاهر بالرسول صلىاللهعليهوسلم وهو ثمرة ظلمة الكفر التي في قلوبهم وقوله : (لَوْ ما تَأْتِينا) (١) (بِالْمَلائِكَةِ) لو ما هنا بمعنى هلا التحضيضيه أي هلا تأتينا بالملائكة نراهم عيانا يشهدون لك بأنك رسول الله (إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) في دعواك النبوة والرسالة فأت بالملائكة تشهد لك. قال تعالى (ما نُنَزِّلُ (٢) الْمَلائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِ) أي نزولا ملتبسا بالحق. أي لا تنزل الملائكة إلا لإحقاق الحق وإبطال الباطل لا لمجرد تشهي الناس ورغبتهم ولو نزلت الملائكة ولم يؤمنوا لنزل بهم العذاب فورا (وَما كانُوا إِذاً مُنْظَرِينَ) (٣) أي ممهلين بل يهلكون في الحال. وقوله تعالى في الآية (٩) (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ) أي القرآن (وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) أي من الضياع ومن الزيادة والنقصان لأنه حجتنا على (٤) خلقنا إلى يوم القيامة. أنزلنا الذكر هدى ورحمة وشفاء ونورا. هم يريدون العذاب والله يريد الرحمة. مع أن القرآن نزلت به الملائكة ، والملائكة إن نزلت ستعود الى السماء ولم يبق ما يدل على الرسالة إلا القرآن ولكن القوم لا يريدون أن يؤمنوا وليسوا في ذلك الكفر والعناد وحدهم بل سبقتهم طوائف وأمم أرسل فيهم فكذبوا وجاحدوا وهو قوله تعالى : (وَلَقَدْ (٥) أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ (٦) الْأَوَّلِينَ) أي في فرقهم وأممهم (وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ (٧) يَسْتَهْزِؤُنَ) لأن علة المرض واحدة إذا فلا تيأس يا رسول الله ولا تحزن بل اصبر وانتظر وعد الله لك بالنصر فإن وعده حق : (كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي! إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ).
__________________
(١) (لَوْ ما) كلو لا ، وهلا : حرف تحضيض على الفعل نحو : لو ما أكرمت عمرا ولو لا أكرمت زيدا وهلا كذلك ، وتأتي مع الخبر فلا يراد بها التحضيض نحو : لو ما خوف الله لقلت فيك كذا وكذا ، قال الشاعر :
لو ما الحياء ولو ما الدين عبتكما |
|
ببعض ما فيكما إذ عبتما عوري |
(٢) قرأ حفص : (ما نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ) وقرأ بعضهم ما تنزّل وقرأ ورش عن نافع ما تنزّل بحذف احدى التائين تخفيفا ، إذ الأصل : تتنزّل.
(٣) أصل : إذا : إذ أن ، ومعناها حينئذ أي : تنزّلت الملائكة بإهلاكهم لما كانوا حينئذ منظرين أي : ممهلين ساعة من الزمن.
(٤) قالت العلماء : لما وكل الله تعالى حفظ التوراة والانجيل إلى أهل الكتاب في قوله (بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللهِ) أضاعوه فزادوا فيه ونقصوا منه ، ولمّا تولى الله تعالى حفظ القرآن ، حفظه فلم يزد فيه حرف ولم ينقص منه حرف.
(٥) (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا) الخ .. هذه الجملة إبطال لاستهزاء المشركين بالرسول صلىاللهعليهوسلم على طريقة التمثيل بأشياعهم من الأمم السابقة.
(٦) الشيع : جمع شيعة ، وهي الفرقة المتآلفة المتفقة الكلمة ، ومنه قوله تعالى (أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً) أي : فرقا كل فرقة تتآلف مع أفرادها ، وتحارب عن مبادئها وأفكارها وما هي عليه من دين وعادة.
(٧) تقديم الجار والمجرور (بِهِ) على فعل (يَسْتَهْزِؤُنَ) : لإفادة القصر للمبالغة أي : كأنهم لفساد قلوبهم لا شغل لهم إلا الاستهزاء برسول الله عزوجل.