الحالتين. وقوله (وَآتَيْناهُمْ (١) آياتِنا فَكانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ) إن المراد من الآيات القائمة بالناقة منها أنها خرجت من صخرة ، وأنها تشرب ماء البلد يوما ، وأنها تقف أمام كل بيت ليحلب أهله منها ما شاءوا ، وإعراضهم عنها ، عدم إيمانهم وتوبتهم إلى الله تعالى بعد أن آتاهم ما طلبوا من الآيات. وقوله (وَكانُوا يَنْحِتُونَ (٢) مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً) أي كانوا يتخذون بالنحت بيوتا داخل الجبال يسكنوها شتاء آمنين من أن تسقط عليهم لقوتها ومن أن ينالهم برد أو حر لوقايتها لهم ، وقوله تعالى (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ) (٣) وذلك صيحة اليوم الرابع وهو يوم السبت فهلكوا أجمعين ، (فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ) من المال والعتاد وبناء الحصون بل (٤) هلكوا ولم ينج منهم أحد إلا من آمن وعمل صالحا فقد نجاه الله تعالى مع نبيه صالح عليهالسلام. وقوله تعالى : (وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِ) أي إلا من أجل أن أذكر وأشكر ، فلذا من كفر بي فلم يذكرني وعصاني فلم يشكرني أهلكته. لأني لم أخلق هذا الخلق العظيم لهوا وباطلا وعبثا. وقوله : (وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ) (٥) أي حتما لا محالة وثمّ يجزي كل بما كسب فلا تحزن على قومك ولا تجزع منهم فإن جزاءهم لازم وآت لا بد ، فاصبر واصفح عنهم وهو معنى قوله تعالى (فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ) (٦) أي الذي لا جزع معه. وقوله (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ) خلق كل شيء وعلم بما خلق فعلى كثرة المخلوقات يعلم نياتها ، وأعمالها ، وأحوالها ، ولا يخفى عليه شيء من أمرها وسيعيدها كما بدأها ويحاسبها ويجزيها بما كسبت. وهذا من شأنه أن يساعد الرسول صلىاللهعليهوسلم على الصبر والثبات على دعوته حتى ينصرها الله تعالى
__________________
(١) المراد بالآيات : الناقة لأنها تشتمل على عدّة آيات ، وجائز أن يكون هناك آيات أخرى أعطيها صالح غير الناقة.
(٢) النحت : البري والنجر ، يقال نحته ينحته نحتا إذا براه ، والنحاته : البراية كالنجارة والخشارة ، والمنحت : آلة النحت ، وقوله : (آمِنِينَ) أي : من أن تسقط عليهم أو تخرب فلا تصلح للسكن فيها.
(٣) (مُصْبِحِينَ) : حال من أخذتهم الصيحة أي : حال كونهم داخلين في الصباح وهو أوّل النهار ، فالأيام الثلاثة التي قيل لهم : تمتعوا فيها هي الأربعاء والخميس والجمعة ، وصبيحة السبت كان هلاكهم والعياذ بالله من حال الهالكين.
(٤) صحّ ان النبي صلىاللهعليهوسلم قال : (لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم إلا أن تكونوا باكين حذرا أن يصيبكم مثل ما أصابهم ، وأمر بهرق ما استقوا من بئر ثمود وإلقاء ما عجن وخبز منه لأجل انه ماء سخط فلا يجوز الانتفاع به فرارا من سخط الله تعالى وقال : اعلفوه الإبل ففعلوا).
(٥) لآتية : جائية إذ الأيام تنصرم يوما فيوما إلى آخر يوم فالساعة الأخيرة لهذه الحياة آتية ، وهي في طريقها.
(٦) هذا كان قبل الأمر بالجهاد إذ السورة مكيّة والجهاد فرض في المدينة فالآية منسوخة بمثل قوله تعالى : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) الآية من التوبة المدنية.