إلى آخر الآية حتى لا نكون قد كذّبنا بحق ولا آمنّا بباطل ، وفي البخاري أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم (١) ، وقولوا (آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلهُنا وَإِلهُكُمْ واحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ).
وقوله تعالى (وَكَذلِكَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ) أي وكإنزالنا الكتب السابقة على رسل سبقوا كموسى وداود وعيسى عليهمالسلام أنزلنا إليك أنت يا محمد الكتاب أي القرآن وقوله تعالى : (فَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ. وَمِنْ هؤُلاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا الْكافِرُونَ). فهذا إخبار بغيب فكما علّم الله تعالى المؤمنين كيف يكونون مع أهل الكتاب عند ما يتصلون بهم ويعيشون معهم في المدينة وغيرها أخبر أن الذين آتاهم الكتاب أي التوراة والانجيل وهم الراسخون في العلم يؤمنون أي بالقرآن وقد آمن عبد الله بن سلام وكثير من أحبار أهل الكتاب ، وآمن من المشركين كثيرون فكان الأمر كما أخبر. وقوله تعالى : (وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا الْكافِرُونَ) فهو كما أخبر لا يجحد بالآيات القرآنية ويكذّب بها إلا كافر مظلم النفس خبيثها وقوله تعالى : (وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ) هو كما قال عزوجل لم يكن رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقرأ قبل القرآن أيّ كتاب ، ولا كان يخط بيمينه أيّ كتاب لأنه أميّ لا يقرأ ولا يكتب أي فلو كان قبل نزول القرآن عليه يقرأ ويكتب لكان للمبطلين (٢) مجال للشك في صحة دعوى النبوة المحمدية ونزول القرآن عليه ، ولكن لم يكن قبل القرآن يقرأ أيّ كتاب ، ولم يكن يخط بيمينه أيّ خط ولا كتاب فلم يبق إذا للمشركين ما يحتجون به أبدا. وقوله تعالى : (بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ (٣) الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) أي بل الرسول ونعوته وصفاته ومنها وصف الأمية آيات في التوراة والانجيل محفوظة في صدور الذين أوتوا العلم من أهل الكتاب .. وقوله تعالى : (وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا) في التوراة والانجيل والقرآن (إِلَّا الظَّالِمُونَ) أنفسهم (٤) من الماديين اليهود والنصارى الذين يأكلون ويترأسون على حساب الحق والعياذ بالله تعالى.
__________________
(١) تفرّد به البخاري رحمهالله تعالى.
(٢) قال مجاهد : كان أهل الكتاب يجدون في كتبهم أنّ محمدا صلىاللهعليهوسلم لا يخط ولا يقرأ فنزلت هذه الآية.
(٣) أي : ليس هو كما يقول المبطلون من أنه سحر أو شعر ولكنه علامات ودلائل يعرف بها دين الله وأحكامه وكذلك في صدور الذين أوتوا العلم ، وهم أصحاب محمد صلىاللهعليهوسلم ، والمؤمنون به ، وهذا لا يتنافى مع ما في التفسير ، إذ الوجهان صحيحان ، وقال كعب في صفة هذه الأمة : إنهم حكماء علماء وهم في الفقه أنبياء.
(٤) والمشركون كاليهود والنصارى في هذا أي : الجحود بالآيات.