(يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّماواتِ) : أي المخبوء في السموات من الأمطار والأرض من النباتات والأرض
معنى الآيات :
ما زال السياق الكريم في قصص سليمان عليهالسلام قوله تعالى (وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ) (١) أي تفقد سليمان جنده من الطير طالبا الهدهد لأمر عنّ له أي ظهر وهو يتهيأ لرحلة هامة ، فلم يجده فقال ما أخبر تعالى به عنه : (ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ) (٢) ألعارض عرض لي فلم أره ، (أَمْ (٣) كانَ مِنَ الْغائِبِينَ) أي بل كان من الغائبين ، (لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً) بأن ينتف ريشه ويتركه للهوام تأكله فلا يمتنع منها (أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ) بقطع حلقومه ، (أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ) أي بحجة واضحة على سبب غيبته. قوله تعالى الآية (٢٢) (فَمَكَثَ) أي الهدهد (غَيْرَ (٤) بَعِيدٍ) أي زمنا قليلا ، وجاء فقال في تواضع رافعا عنقه مرخيا ذنبه وجناحيه (أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ) أي اطلعت على ما لم تطلع عليه (وَجِئْتُكَ مِنْ (٥) سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ) وسبأ قبيلة من قبائل اليمن ، والنبأ اليقين الخبر الصادق الذي لا شك فيه. وأخذ يبين محتوى الخبر فقال (إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً) هي بلقيس (تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) من أسباب القوة ومظاهر الملك ، (وَلَها عَرْشٌ عَظِيمٌ) أي سرير ملكها الذي تجلس عليه وصفه بالعظمة لأنه مرصع بالجواهر والذهب ، وقوله (وَجَدْتُها وَقَوْمَها يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللهِ) أخبر أولا عن أحوالهم الدنيوية وأخبر ثانيا عن أحوالهم الدينية وقوله (وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ) أي الباطلة الشركية (فَصَدَّهُمْ) بذلك (عَنِ السَّبِيلِ) أي سبيل الهدى والحق فهم لذلك لا يهتدون لأن يسجدوا (٦) لله الذي يخرج الخبء (٧) أي المخبوء فهو
__________________
(١) (تَفَقَّدَ) بمعنى بحث عن الفقد أي : عدم الوجود أو بحث عن سبب عدم الوجود.
(٢) من خواص الهدهد أنه يرى الماء من بعد ويحس به في باطن الأرض فإذا رفرف على موضع علم أن به ماء ، ونهى النبي صلىاللهعليهوسلم عن قتله مع ثلاثة وهي : (الضفدع ، والنحل ، والصرد) أخرجه أبو داود وصححه. ونهى عن قتل النمل إلا أن يضرّ ولا يقدر على دفعه إلا بالقتل.
(٣) (أَمْ) هي المنقطعة التي بمعنى : بل ، ولا تخلو من معنى الاستفهام إذ التقدير : بل أكان من الغائبين.
(٤) أي : مكث في غيابه زمنا غير بعيد أو في مكان غير بعيد.
(٥) اسم رجل هو : غبشمس بن يشجب بن يعرب بن قحطان ، لقب بسبأ لأنه أول من سبى في غزوه ، وأطلق هنا سبأ على ديار قبيلة سبأ لأنّ من ابتدائية أي لابتداء الأمكنة غالبا.
(٦) (أَلَّا يَسْجُدُوا) أصلها أن لا يسجدوا فأدغمت أن في لا النافية فصارت ألا ، والمضارع منصوب بأن المدغمة في لا ، ولذا تعيّن تقدير لام جرّ يتعلق ب (فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ) أي : زيّن لهم الشيطان أعمالهم فصدهم لأجل أن لا يسجدوا. وما في التفسير من التقدير أوضح أيضا.
(٧) الخبء : مصدر خبأ الشيء : إذا أخفاه ، أطلق على اسم المفعول أي : المخبوء من أجل المبالغة في الإخفاء.