(وَما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ) : أي بالنظر إلى العمل لها والعيش فيها فهي لهو يتلهى بها الإنسان ولعب يخرج منه بلا طائل ولا فائدة.
(وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ) : أي الحياة الكاملة الخالدة ، ولذا العمل لها أفضل من العمل للدنيا.
(لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) : أي لو علم المشركون هذا لما آثروا الدنيا الفانية على الآخرة الباقية.
معنى الآيات :
ما زال السياق في تقرير التوحيد والتنديد بالشرك وتذكير المشركين لعلّهم يوحدون. يقول تعالى لرسوله صلىاللهعليهوسلم (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ) أي ولئن سألت هؤلاء المشركين الذين يؤذون المؤمنين ويضطهدونهم من أجل توحيدهم لله تعالى لو سألتهم (مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) أي من أوجدهما من العدم ، ومن سخر الشمس والقمر في فلكيهما يسيران الحياة كلها ليجيبنّك قائلين الله. (فَأَنَّى (١) يُؤْفَكُونَ) أي كيف يصرفون عن الحق بعد ظهور أدلته إنّها حال تستدعي التعجب وقوله تعالى : (اللهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ) هذا مظهر من مظاهر الحكمة الإلهية والتدبير الحكيم وهو موجب له الألوهية ناف لها عما سواه. فهذا يبسط الرزق له فيوسع عليه في طعامه وشرابه وكسائه ومركوبه ومسكنه ، وهذا يضيق عليه في ذلك لما ذا؟! والجواب إنه يوسع امتحانا للعبد هل يشكر أو يكفر ، ويضيق ابتلاءا للعبد هل يصبر أو يسخط. ولذا فلا حجة للمشركين في (٢) غناهم وفقر المؤمنين فالغنى لا يدل على رضا الله على العبد ولا على سخطه. والفقر كذلك لا يدل على سخط ولا على رضا. وقوله تعالى (إِنَّ اللهَ بِكُلِ (٣) شَيْءٍ عَلِيمٌ) تقرير لحكمته ورحمته وعدله وتدبيره فهو يوسع لحكمة ويضيق لحكمة لعلمه بعباده وما يصلحهم وما يفسدهم إذ من الناس من يصلحه الغنى ، ومنهم من يصلحه الفقر ، والإفساد كذلك وقوله تعالى : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِها) أي ولئن سألت يا رسولنا هؤلاء المشركين فقلت من نزل من السماء
__________________
(١) الاستفهام للإنكار والتعجب.
(٢) نزلت الآية ردا على المشركين الذين عيّروا المؤمنين بالفقر وقالوا لهم : لو كنتم على الحق لم تكونوا فقراء ، وهذا تمويه منهم إذ في الكافرين فقراء أيضا.
(٣) هذه الجملة تذييلية لإفادة أنّ ذلك كلّه جار على حكمة لا يطّلع عليها.