معنى الآيات
ما زال السياق الكريم في التنديد بالمشركين وشركهم فقد تقدم في السياق أنهم يعترفون بربوبية الله تعالى إذ لو سئلوا عمن خلق السموات والأرض وسخّر الشمس والقمر لقالوا الله ولو سئلوا عمن نزل من السماء ماء فأحيا به الأرض بعد موتها لقالوا الله. ومع هذا هم يشركون بالله آلهة أوثانا ، وكما يعترفون بربوبيّة الله ثم يشركون به الأصنام ، فإنهم إذا ركبوا في الفلك أي في سفينة من السفن وجاءهم موج واضطربت بهم وخافوا الغرق دعوا الله تعالى (مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) أي الدعاء فسألوه وحده دون آلهتهم أن ينجيهم من الغرق. (فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ) ونزلوا سالمين من الغرق إذا هم يشركون يفاجئونك بالشرك فهذا التناقض منهم كالتناقض في اعترافهم بربوبيّة الله تعالى ثم بالإشراك به. ومردّ هذا إلى الجهل والتقليد والعناد والمجاحدة والمكابرة. هذا ما دلت عليه الآية الأولى من هذا السياق وهي قوله (فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ) (١).
وقوله تعالى في الآية (٦٦) : (لِيَكْفُرُوا (٢) بِما آتَيْناهُمْ) أي عودتهم إلى الشرك بعد نجاتهم من الغرق ونزولهم في البركان كأنه من أجل أن يكفروا بنعمة الله تعالى بإنجائهم من الغرق ، إذ لو لم يكفروها لاستمروا على الاخلاص لله بدعائه وعبادته وحده دون الآلهة التي تركوها عند حلول الشدة ومعاينة البلاء. وقوله تعالى : (وَلِيَتَمَتَّعُوا) قرىء بسكون اللام ورجح ابن جرير هذه القراءة فيكون المعنى : وليتمتعوا في دنياهم بما آتاهم الله من متاع الحياة الدنيا (فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) عاقبة ذلك بعد موتهم وهي عذاب الآخرة ، والأمر حينئذ في قوله وليتمتعوا للتهديد والوعيد.
أما على قراءة جر اللام وليتمتعوا فالجملة معطوفة على قوله ليكفروا أي أخلصوا في الشدة وأشركوا في الرخاء ليكفروا وليتمتعوا بما أوتوا في الحياة ، ولم يكن ذلك بنافعهم ولا بمغن عنهم من الله شيئا فسوف يعلمون ما يحل بهم من عذاب وما ينزل بهم من بلاء وشقاء.
__________________
(١) قال القرطبي : يدعون معه غيره وما لم ينزل به سلطانا. وقيل : إشراكهم أن يقول قائلهم لو لا الله والرئيس والملاح لغرقنا ، وهو كما قال ، وإنما هو عند المسلمين من الشرك الأصغر لا الأكبر كقول الرجل : لو لا الطبيب لمات فلان ، ولو لا الكلب لسرقنا.
(٢) (لِيَكْفُرُوا) هذه اللام هي لام كي ، والظاهر أنها للعاقبة وما يؤول إليه الأمر ، وقيل هي لام الأمر ، وإن كانت كذلك فهو للتهديد والوعيد ، ويقوّي هذا الوجه قراءة من قرأها من القراء السبعة بسكون اللام (وَلِيَتَمَتَّعُوا).