(كَخِيفَتِكُمْ) : أي تخوفكم من بعضكم بعضا أيها الأحرار.
(نُفَصِّلُ الْآياتِ) : أي نبينها بتنويع الأسلوب وإيراد الحجج وضرب الأمثال.
(بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْواءَهُمْ) : أي ليس الأمر قصورا في البيان حتى لم يؤمن المشركون وانما العلة اتباع المشركين لأهوائهم وتجاهل عقولهم.
(فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللهُ؟) : أي لا أحد فالاستفهام للنفي.
معنى الآيات
ما زال السياق الكريم في تقرير قدرة الله تعالى على البعث الذي أنكره المشركون بذكر الأدلة العقلية وتصريف الآيات فقال تعالى (وَلَهُ) أي لله المحى المميت الوارث الباعث سبحانه وتعالى (مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي من ملائكة وجان وإنسان فهو خلقهم وهو يملكهم ويتصرف فيهم. وقوله : (كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ) (١) أي مطيعون منقادون فالملائكة لا يعصونه ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ، والجن والإنس منقادون لما أراده منهم من حياة وموت ونشور وأمّا عصيانهم في العبادات فهو غير مقصود لأنه التكليف الذي هو علة الحياة كلها ومع هذا فهم منفذون باختيارهم واراداتهم الحرة ما كتبه عليهم أزلا والله أكبر ولله الحمد وقوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي (٢) يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) أي هو الله الذي يبدأ خلق ما أراد خلقه في كل يوم وساعة من غير شيء ويهبه الحياة ثم يسلبها منه في آجال سماها ثم يعيده يوم القيامة أحب الناس أم كرهوا. وقوله (وَهُوَ أَهْوَنُ (٣) عَلَيْهِ) أي الإعادة أيسر وأسهل عليه فليس على الله شيء صعب ولا شاق ولا عزيز ممتنع ، وإنما خرج الخطاب على أسلوب المتعجبين من إعادة الخلق بعد فنائه فأعلمهم أن المتعارف عليه عندهم أن الإعادة أسهل من البداءة ليفهموا ويقتنعوا ، وإلا فلا شيء صعب على الله تعالى ولا شاق ولا عسير ، إذ هو يقول للشيء متى أراده كن فيكون. وقوله تعالى (وَلَهُ الْمَثَلُ (٤) الْأَعْلى فِي
__________________
(١) ذكر القرطبي لتفسير كلمة (قانِتُونَ) تفاسير عدة عن السلف منها مطيعون طاعة انقياد ، مقرون بالعبودية إما قالة وإما دلالة مصلون قائمون يوم القيامة مخلصون.
(٢) قال القرطبي : أما بدء خلقه فبعلوقه في الرحم قبل ولادته وأما اعادته فاحياؤه بعد الموت في النفخة الثانية للبعث فجعل ما علم من ابتداء خلقه دليلا على ما يخفى من إعادته استدلالا بالشاهد على الغائب.
(٣) أهون بمعنى هين ، لقوله تعالى وكان ذلك على الله يسيرا ، والعرب تطلق أفعل على فاعل قال الشاعر :
إن الذي شمل السماء بنى لنا |
|
بيتا دعائمه أعز وأطول |
(٤) أي ثبت له واستحق الشأن الأتمّ الذي لا يقاس بشؤون الناس المتعارفة وانما بقصد التقريب لأفهامكم والأعلى الأعظم البالغ نهاية العظمة والقوة.