معنى الآيات :
لما أمر تعالى رسوله والمؤمنين بإقامة الدين ونهاهم أن يكونوا من المشركين الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا أخبر تعالى عن المشركين أنهم إذا مسهم الضرّ وهو المرض والشدة كالقحط والغلاء ونحوها دعوا ربهم تعالى منيبين إليه أي راجعين إليه بالدعاء والضراعة لا يدعون غيره. وهو قوله تعالى (وَإِذا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا) (١) (رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ) وقوله : (ثُمَّ إِذا أَذاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً) أصابهم برحمة من عنده وهي الصحة والرخاء والخصب ونحوه (إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ) أي كثير (بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ) فيعبدون الأصنام والأوثان بأنواع العبادات ، وقوله (لِيَكْفُرُوا (٢) بِما آتَيْناهُمْ) أي أشركوا بالله بعد إنعامه عليهم ليكفروا بما آتاهم من نعمة كشف الضر عنهم إذا (فَتَمَتَّعُوا) (٣) أيها الكافرون بما خولكم الله من نعمة فسوف تعلمون عاقبة كفركم لنعم الله وشرككم به يوم تردون عليه حفاة عراة لا وليّ لكم من دونه تعالى ولا نصير.
وقوله تعالى : (أَمْ أَنْزَلْنا (٤) عَلَيْهِمْ سُلْطاناً فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِما كانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ) أي ما الذي شجعهم على الشرك وجعلهم يصرون عليه حتى إذا تركوه ساعة الشدة عادوا إليه ساعة الرخاء أأنزلنا عليهم سلطانا أي حجة من كتاب ونحوه فهو ينطق بشركهم ويقرره لهم ويأمرهم به اللهم لا ، لا ، وإنما هو الجهل والتقليد والعناد وقوله (وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِها) هذه حال أهل الشرك والكفر والجهل من الناس إذا أذاقهم الله رحمة من خصب ورخاء وصحة فرحوا بها فرح البطر والأشر (وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ) من جدب وقحط ومرض وفقر ، (بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ) من الذنوب والمعاصي ومنها مخالفة سنن الله في الكون (إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ) (٥) أي ييأسون من الفرج وذلك لكفرهم بالله وجهلهم بأسمائه
__________________
(١) الضّر بضم الضاد سوء الحال في البدن أو العيش أو المال وهذه الجملة الخبرية تحمل السامع على التعجب من حال المشركين كيف يخلصون لله تعالى الدعاء في الشدة ويشركون به في الرخاء يا للعجب!!
(٢) هذه لام التعليل في ظاهرها ولكنها آلت لمعنى العاقبة في واقعها.
(٣) الأمر للتهديد والتوعد على كفران النعم واستبدال شكرها بالكفر بالمنعم عزوجل والشرك به.
(٤) (أَمْ أَنْزَلْنا) : أم للاضراب الانتقالي فهي بمعنى بل ، وحرف الاستفهام مقدر أي أنزلنا عليهم الخ. وهو انكاري أن الله تعالى لم ينزل عليهم حجة تبيح لهم الشرك وتقرره.
(٥) هذه الصفة وإن كان المراد بها المشركون فإنها قد يتصف بها بعض المؤمنين فتجد أحدهم يصاب بالبطر عند حلول النعم ويترك الشكر ويقنط عند حلول النقم والشدة وينسى الدعاء والتضرع إلى الله تعالى فهو كما قال الشاعر :
كحمار السوء إن اعلفته |
|
رمح الناس وان جاع نهق |