(أُولئِكَ) : أي المحسنون الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويوقنون بالآخرة.
(عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ) : أي هم على هداية من الله تعالى فلا يضلون ولا يجهلون معها أبدا.
(الْمُفْلِحُونَ) : أي الفائزون بالنجاة من كل مرهوب وبالظفر بكل مرغوب محبوب.
معنى الآيات
قوله تعالى : (الم) أحسن ما يفسر به مثل هذه الحروف المقطعة قول : الله أعلم بمراده به وقد أفادت هذه الحروف فائدة عظيمة ، وذلك من جهتين الأولى أنه لما كان المشركون يمنعون سماع القرآن خشية التأثر به فيهتدي إلى الحق من يحصل له ذلك ، وقالوا : (لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ) كانت هذه الحروف بنغمها الخاص ومدودها العجيبة تضطر المشرك إلى الإصغاء والاستماع فحصل ضد مقصودهم وكفى بهذه فائدة. والثانية أنهم لما ادعوا أن القرآن سحر وكهانة وشعر وأساطير الأولين كأنما قيل لهم هذا القرآن الذي ادعيتم فيه كذا وكذا قد تألف من هذه الحروف ص ، ن ، ق ، يس ، طس ، الم فألفوا سورة مثله وأتوا بها للناس فيصبح لكم ما تدعون فإن عجزتم فسلموا أنه كلام الله أنزله على عبده ورسوله محمد صلىاللهعليهوسلم فآمنوا ووحدوا واستقيموا على ذلك تعزوا وتكرموا وتكملوا وتسعدوا.
وقوله : (تِلْكَ آياتُ (١) الْكِتابِ الْحَكِيمِ) أي هذه الآيات هي آيات القرآن الكريم الموصوف بالحكمة إذ هو لا يخلط ولا يغلط ولا يخبط بل يضع كل شيء في موضعه اللائق به في كل ما قال فيه وحكم به ، وأخبر عنه أو به من سائر المعارف والعلوم التي حواها كما هو حكيم بمعنى محكم لا نسخ يطرأ عليه بعد تمامه كما طرأ على الكتب السابقة ، ومحكم أيضا بمعنى لا خلل فيه ، ولا تناقض بين أخباره وأحكامه على كثرتها وتنوع أسبابها ومقتضيات نزولها ، وقوله : (هُدىً (٢) وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ) (٣) أي هو بيان هداية ورحمة تنال المحسنين وهم الذين أحسنوا عبادتهم لربهم فخلصوها من الشرك والرياء وأتوا بها على
__________________
(١) (تِلْكَ) في محل رفع مبتدأ و (آياتُ الْكِتابِ) الخبر.
(٢) (هُدىً وَرَحْمَةً) نصبا على الحال على حد هذه ناقة الله لكم آية وقرىء هدى ورحمة بالرفع على أن هدى خبر ثان ورحمة معطوف عليه وهي قراءة حمزة.
(٣) وجائز أن يكون المحسنين الفاعلين للحسنات والمحسنين إلى غيرهم كالوالدين وذوي القربى واليتامى والمساكين ومن ذكروا في آية الحقوق العشرة من سورة النساء «واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين احسانا الخ ...