(مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ) : أي ليس لكم أيها المشركون من دون الله وليّ يتولاكم ولا شفيع يشفع لكم.
(أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ) : أي أفلا تتعظون بما تسمعون فتؤمنوا وتوحدوا.
معنى الآيات
قوله تعالى (الم) هذه الحروف المقطعة في فواتح عدة سور الأسلم أن لا تؤول ويكتفى فيها بقول الله أعلم بمراده بها. وقد اخترنا من أقاويل المفسرين أنها أفادت فائدتين : الأولى أنه لما كان المشركون من قريش في مكة يمنعون سماع القرآن مخافة أن يتأثر السامع به فيؤمن ويوحد فكانت هذه الحروف تستهويهم بنغمها الخاص فيستمعون فينجذبون ويؤمن من شاء الله إيمانه وهدايته والثانية بقرينة ذكر الكتاب بعدها غالبا : أن هذا القرآن الكريم قد تألف من مثل هذه الحروف الم ، طس ، حم ، ق فألفوا أيها المكذبون سورة من مثله وإلّا فاعلموا أنه تنزيل من الله ربّ العالمين فلما عجزوا قامت عليهم الحجة ولم يبق شك في أنه تنزيل الله وكتابه أنزله على نبيه محمد صلىاللهعليهوسلم وقوله تعالى : (تَنْزِيلُ الْكِتابِ) (١) أي القرآن الكريم (لا رَيْبَ فِيهِ) أي لا شك (٢) في أنه نزل من رب العالمين على محمد صلىاللهعليهوسلم. وليس بشعر ولا بسجع كهان ، ولا أساطير الأولين وقوله تعالى : (أَمْ (٣) يَقُولُونَ افْتَراهُ) أي بل أيقولون افتراه محمد واختلقه وأتى به من تلقاء نفسه اللهم لا إنه لم يفتره (بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ) أي جاءك من ربك وحيا أوحاه إليك ، (لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ (٤) مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ) وهم مشركوا العرب لتنذرهم بأس الله وعذابه إن بقوا على شركهم وكفرهم ، وقوله (لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ) أي رجاء أن يؤمنوا ويوحدوا فيهتدوا إلى الحق بعد ضلالهم فينجوا ويكملوا ويسعدوا وقوله : (اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما) أي من مخلوقات (فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) من مثل أيام الدنيا أولها الأحد واخرها الجمعة ولذا كانت الجمعة من أفضل الأيام (ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) عرشه (٥) سبحانه
__________________
(١) تنزيل مرفوع بالابتداء والخبر لا ريب فيه ، أو خبر على تقدير مبتدأ أي هذا تنزيل أو المتلو عليك تنزيل الكتاب ، ويكون لا ريب فيه محل نصب على الحال.
(٢) (لا رَيْبَ فِيهِ) أي لما اشتمل من الإعجاز العلمي حيث عجز الإنس والجن على أن يأتوا بمثله وعجز فصحاء العرب على الإتيان بسورة مثل سوره. ولما عرف به صاحبه الذي نزل عليه وجاء به وهو محمد صلىاللهعليهوسلم من الصدق الكامل حيث لم يكذب قط وقد أخبر أنه تنزيل الله رب العالمين.
(٣) (أَمْ) هذه هي المنقطعة ولذا قدرت ببل والاستفهام في التفسير ، وصيغة المضارع (يَقُولُونَ) لاستحضار الحالة الماضية اثارة للتعجب في نفس السامع.
(٤) النذير المعلم المخوف بعواقب الشرك والمعاصي والفساد والشر ، والقوم الجماعة العظيمة الذين يجمعهم أمر يكون كالقوام لهم من نسب أو وطن أو غرض تجمعوا من أجله والمراد بهم عامة العرب في كل ديارهم شمالا وجنوبا وشرقا وغربا إذ فقدوا العلم الإلهي منذ قرون عدة.
(٥) سئل مالك رحمهالله تعالى عن الاستواء فقال : الاستواء معلوم والكيف مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة.