ذلك النجاة من النار ودخول الجنة. هذا ما تضمنه قوله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ، وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فازَ فَوْزاً عَظِيماً) وقوله تعالى : (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ) يخبر تعالى منبها محذرا فيقول : (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ) (١) وهي شاملة للتكاليف الشرعية كلها ولكل ما أئتمن عليه الإنسان من شيء يحفظه لمن ائتمنه عليه حتى يرده إليه عرض الأمانة على السموات والأرض والجبال بعد أن خلق لها عقلا ونطقا ففهمت الخطاب وردت الجواب فأبت تحملها بثوابها واشفقت وخافت من تبعتها ، وعرضت على الإنسان آدم فحملها بتبعتها من ثواب وعقاب لأنه كان ظلوما لنفسه يوردها موارد السوء جهولا بعواقب الأمور. هذا ما دلت عليه الآية الرابعة (٧٢) وهي قوله تعالى إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها ، وحملها الإنسان إنه كان ظلوما (٢) جهولا. وقوله تعالى : (لِيُعَذِّبَ (٣) اللهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ (٤) وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ) أي بتبعة النفاق والشرك ، ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات أي تمّ عرض الأمانة وقبول آدم لها ليؤول الأمر إلى أن يكفر بعض أفراد الإنسان فيعذبوا بكفرهم الذي نجم عن تضييع الأمانة ، ويؤمن بعض آخر فيفرط بعض التفريط ويتوب فيتوب الله عليه فيغفر له ويدخله الجنة وكان الله غفورا رحيما ومن آثار ذلك أن تاب الله على المؤمنين والمؤمنات وغفر لهم ورحمهم بإدخالهم الجنة فسبحان الله المدبر الحكيم.
هداية الآيات
من هداية الآيات :
١ ـ وجوب تقوى الله عزوجل بفعل الأوامر واجتناب المناهى.
٢ ـ صلاح الأعمال لتثمر للعاملين الزكاة للنفس ، وطيب الحياة متوقف على التزام الصدق في
__________________
(١) روى معمر عن الحسن أن الأمانة عرضت على السموات والأرض والجبال قالت وما فيها؟ قيل لها إن أحسنت جوزيت وإن أسأت عوقبت فقالت لا قال مجاهد فلما خلق الله آدم عرضها عليه قال وما هي؟ قال إن أحسنت أجرتك وإن أسأت عذبتك قال فقد تحملتها يا رب. قال مجاهد فما كان بين أن تحملها إلى أن أخرج من الجنة الا قدر ما بين الظهر والعصر.
(٢) فكان الإنسان فريقين فريق ظلوم وفريق راشد عالم.
(٣) ليعذب اللام متعلقة بحمل أي حملها ليعذب العاصي ويثاب المطيع فهي لام التعليل وتعذيبهم نتيجة إضاعتهم الأمانة ، ورحمة المؤمنين والمؤمنات نتيجة محافظتهم على الأمانة برعايتهم لها وسر ذلك أن التكاليف عملها يزكى النفس ويطهرها فتتأهل للجنة ، وعدم عملها بتركها يسبب خبث النفس وهو يؤهل للنار وعذابها.
(٤) ذكر المنافقات والمشركات لأن المقام كمقام الإشهاد يتطلب ذكر الشاهد إقامة للحجة وإظهارا للعدالة ولأن الجزاء العادي يتطلب التنصيص على من يقضي له أو عليه.