هؤلاء من القوة معشار (١) ما كان لأولئك الأقوام الهالكين ، ومع ذلك أهلكناهم ، فكيف كان نكيرى أي كيف كان إنكارى عليهم الشرك وتكذيب رسلى كان بإبادتهم واستئصالهم. أما يخاف هؤلاء الضعفاء أن تحل بهم عقوبتنا فنهلكهم عن آخرهم كما أهلكنا من قبلهم ولما لم يرد الله إبادتهم بعد أن استوجبوها بالتكذيب لرسوله والإصرار على الشرك والكفر قال لرسوله قل لهم (إِنَّما (٢) أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ) أي بخصلة واحدة وهي أن تقوموا لله أي متجردين من الهوى والتعصب (مَثْنى) أي أثنين أثنين ، (وَفُرادى) أي واحدا واحدا ، ثم تتفكروا في حياة محمد صلىاللهعليهوسلم ومواقفه الخيّرة معكم وبعده عن كل أذى وشر وفساد فإنكم تعلمون يقينا أنه ما بصاحبكم محمد من جنّة ولا جنون إن هو إلا نذير لكم بين يدي عذاب شديد ، أي ما هو صلىاللهعليهوسلم إلا نذير لكم أمام عذاب شديد قد ينزل بكم وهو مشفق عليكم في ذلك خائف لا يريده لكم.
هداية الآيات
من هداية الآيات :
١ ـ بيان عناد المشركين وسخف عقولهم وهبوطهم الفكرى.
٢ ـ ضعف كفار قريش وتشددهم وعتوهم إذا قيسوا بالأمم السابقة فإنهم لا يملكون من القوة نسبة واحد إلى ألف إذ المعشار هو عشر عشر العشر. (٣)
٣ ـ تقرير النبوة المحمدية واثباتها وذلك ينفى الجنّة عنه صلىاللهعليهوسلم وإثبات أنه نذير.
(قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللهِ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (٤٧) قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ (٤٨) قُلْ جاءَ الْحَقُّ وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَما يُعِيدُ (٤٩) قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّما أَضِلُّ عَلى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِما يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ
__________________
(١) المعشار العشر إذ هو الجزء العاشر كالمرباع الذي يعطي لقائد الكتبية من الغنائم وهو ربعها.
(٢) هذا انتقال من حكاية أقوال المشركين والرد عليهم إلى دعوتهم للانصاف في النظر والتأمل في الحقائق ليتضح لهم خطأهم وهذا من باب الإعذار لهم في المجادلة ليهلك من يهلك عن بينة ويحيى من حيء عن بينة.
(٣) قال القرطبي : وقيل المعشار هو عشر العشير ، والعشير هو عشر العشر فيكون جزءا من ألف جزء قال الماوردي وهو أظهر لأن المراد به المبالغة في التقليل وما فسرت به الآية في التفسير أرجح وأوضح ، وإن أريد به ما اتى الله هذه الأمة من العلم والبيان فهذا المعنى صحيح غير أنه لا يتلاءم مع سياق الآيات.