(وَسَلامٌ (١) عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى) (٢) الله لرسالته وإبلاغ دعوته إلى عباده ليعبدوه فيكملوا ويسعدوا على ذلك في الحياتين.
وقوله تعالى : (آللهُ (٣) خَيْرٌ أَمَّا (٤) يُشْرِكُونَ) أي آ الله الخالق الرازق المدبر القوى المنتقم من أعدائه المكرم لأوليائه ؛ عبادته خير لمن يعبده بها أم عبادة من يشركون. فقوله (أَمَّنْ (٥) خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً) أي لحاجتكم إليه غسلا وشربا وسقيا (فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ) أي بساتين محدقة بالجدران والحواجز (ذاتَ بَهْجَةٍ) أي حسن وجمال ، (ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها) أي لم يكن فى استطاعتكم أن تنبتوا شجرها (أَ(٦) إِلهٌ مَعَ اللهِ) لا والله (بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ) أي يشركون بربهم أصناما ويسوّونها به في العبادات. وقوله تعالى : (أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَراراً) (٧) أي قارة ثابتة لا تتحرك بسكانها ولا تضطرب بهم فيهلكوا. (وَجَعَلَ خِلالَها أَنْهاراً) أي فيما بينها. (وَجَعَلَ لَها رَواسِيَ) أي جبالا تثبتها ، (وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ) العذب والملح (حاجِزاً) (٨) حتى لا يختلط الملح بالعذب فيفسده.
(أَإِلهٌ مَعَ اللهِ؟) والجواب : لا والله. (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) ولو علموا لما أشركوا
__________________
(١) أصل السّلام : السلامة والأمن ثابتان لمن يسلم عليه عند ملاقاته إذ قد يكون بينهما إحن فكان لفظ السّلام كالعهد بالأمان ، وقيل : السّلام عليكم : كانت تحية البشر في عهد آدم عليهالسلام.
(٢) قال بعضهم : الذين اصطفوا هم أمة محمد صلىاللهعليهوسلم ، وقيل : هم الصحابة وردّ هذا بما هو الحق وهو (أن الذين اصطفوا) هم : رسل الله عليهمالسلام وفي الآية تعليم أدب رفيع وهو أن من افتتح كلامه مذكرا أو واعظا أو معلما دارسا يفتتح كلامه بحمد الله والصلاة والسّلام على رسوله محمد صلىاللهعليهوسلم.
(٣) (آللهُ) الاستفهام تقريري وهو إلجاء المخاطب إلى الإقرار ، وخير هنا : ليست بمعنى أفضل ، إذ لا خير البتة في آلهة المشركين وإنما من باب إيهام الخصم بأنه يعترف له بما يعتقده من خير في إلهه ، حتى يصغي ويسمع ويتأمل علّه يهتدي أو هو مثل قول الشاعر :
أتهجوه ولست له بكفء |
|
فشركما لخيركما الفداء |
(٤) (أَمَّا) أصلها : أم المعادلة للهمزة وما : الموصولية أدغمت فيها أم فصارت أمّا والعائد محذوف تقديره : تشركونها ، أي آلهتهم بالله تعالى.
(٥) (أم) المنقطعة بمعنى بل للاضراب الانتقالي من الاستفهام التهكمي للاستفهام التقريري أي : الذي خلق السموات وما عطف عليها خير وأحق بالعبادة.
(٦) هذا استئناف كالنتيجة للكلام قبلها لأن إثبات الخلق والرزق لله تعالى بدليل لا يسعهم إلا الإقرار به ينتج أنه لا إله معه ، والاستفهام إنكاري أي : إنكار وجود إله مع الله الخالق الرازق والجواب : لا إله مع الله.
(٧) القرار : مصدر قرّ يقرّ قرارا الشيء : إذا سكن وثبت ، وصفت الأرض بالقرار مبالغة في سكونها وثباتها حيث لا تتحرك ولا تضطرب بأهلها على مدى الحياة في حين أنها سابحة في الفضاء متحركة فيه كل لحظة فسبحان الله العلي القدير العزيز الحكيم.
(٨) إنّ هذا الحاجز ليس جسما غير الماء إنما هو تفاوت الثقل النسبي لاختلاف أجزاء الماء المركب منها الماء المالح والماء العذب ، فالحاجز حاجز من طعميهما وليس جسما آخر فاصلا بينهما.