والعنب والفواكه والخضر ، ومن الجبال كذلك. فإن فيها جدد (١) أي خطط حمراء وصفراء وبيضاء وسوداء والجبال نفسها كذلك ، (وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعامِ) ففي جميعها الأبيض والأسود والأحمر والأصفر كما في جدد الجبال نفسها وكما في الثمار. ولما كان هذا لا يدركه إلا المفكرون ولا يجنى منه العبرة إلا العالمون قال تعالى (إِنَّما يَخْشَى) (٢) (اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) وأهل مكة جهال لا يفكرون ولا يهتدون فلا غرابة إذا لم يخشوا الله تعالى ولم يوحدوه وذلك لجهلهم وعدم تفكيرهم.
وقوله تعالى في ختام السياق : (إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ) (٣) كشف عن حقيقة ينبغى أن يعرفها أهل مكة المصرون على الكفر والتكذيب وهي أن الله قادر على أخذهم والبطش بهم فإنه عزيز لا يمانع فيما يريده وغفور لذنوب التائبين من عباده ومهما كانت ذنوبهم الا فليتب أهل مكة فإن توبتهم خير لهم من إصرارهم على الشرك والكفر والتكذيب إذ في التوبة نجاة ، وفى الإصرار هلاك.
وقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللهِ) (٤) وهم المؤمنون (وَأَقامُوا الصَّلاةَ) أدوها أداء وافيا لا نقص فيه (وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً) الزكاة والصدقات بحسب الأحوال والظروف سرا أحيانا وعلانية أحيانا أخرى. يخبر تعالى عنهم بعد ما وصفهم بما شرفهم به من صفات أنهم (يَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ) أي لن تهلك ولن تخسر وذلك يوم القيامة وقوله (لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ (٥) وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ) أي هداهم لذلك ووفقهم إليه تعالى ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله. وعلة ذلك أنه غفور لعباده المؤمنين التائبين فيغفر ذنوبهم ويدخلهم جنته شكور لطاعاتهم وصالح أعمالهم فلذا يضاعف لهم أجورهم ويزيدهم من فضله وله الحمد والمنة.
__________________
(١) الجدد جمع جدّة وهي الطريقة والخطة في الشيء تكون واضحة فيه.
(٢) في الجملة قصر صفة على موصوف أي قصر صفة الخشية على العلماء دون الجهلة وبهذا علا شأن العلماء وعظم قدرهم قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : إن فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم ثم تلا إنما يخشى الله من عباده العلماء والمراد بالعلماء العالمون بالله أي بأسمائه وصفاته ومحابه ومكارهه وما عنده من نعيم لأوليائه وما لديه من عذاب لأعدائه ، وآية العالم الخشية لله والمحبه له تعالى فمن لم يخش الله تعالى فليس بعالم.
(٣) الجملة تذييلية مشعرة بغنى الله تعالى عن عباده قدير على أخذهم متى أراد بهم ذلك ، ذو مغفرة لهم متى تابوا إليه وطلبوا مرضاته ولو عرف المشركون هذا ما أصروا على الشرك ولكنهم لا يعلمون.
(٤) لما أثنى على العلماء بما وصفهم به من الخشية وكان في الكلام ايجاز أوضحه بهذه الجملة فقال إن الذين يتلون كتاب الله ، وما تلا كتاب الله غير مؤمن عالم ولا أقام الصلاة وأنفق سرا وعلانية إلا ذو خشية ومحبة بعد ما وصفهم وحددهم بشرهم بقوله يرجون تجارة لن تبور.
(٥) التوفية جعل الشيء وافيا أي تاما لا نقيصة فيه ولا غبن.