(وَالَّذِينَ كَفَرُوا) (١) أي بالله وآياته ولقائه (لَهُمْ نارُ جَهَنَّمَ) أي جزاء لهم (لا يُقْضى عَلَيْهِمْ) (٢) أي بالموت فيموتوا حتى يستريحوا ولا يخفف عنهم من عذابها ولا طرفة عين. وقوله تعالى (كَذلِكَ) أي الجزاء (نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ) أي مبالغ في الكفر مكثر منه. وقوله : (وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ (٣) فِيها) أي في جهنم أي يصرخون بأعلى أصواتهم في بكاء وعويل يقولون : (رَبَّنا أَخْرِجْنا) أي من النار وردنا إلى الحياة الدنيا (نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ) أي من الشرك والمعاصى. فيقال لهم : (أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ) (٤) أي أتطلبون الخروج من النار لتعملوا صالحا ولم نعمركم أي نطل أعماركم بحيث يتذكر فيها من يريد أن يتذكر وجاءكم النذير (٥) فلم تجيبوه وأصررتم على الشرك والمعاصى ، إذا فذوقوا عذاب النار (فَما لِلظَّالِمِينَ) أي الذين ظلموا أنفسهم بالشرك والمعاصى من نصير ينصرهم فيخرجهم من النار. وقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ عالِمُ غَيْبِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي كل ما غاب في السموات والأرض (إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) ومن ذلك أنه عليم بما في قلوبكم وما كنتم مصرين عليه من الشرك والشر والفساد ولو عشتم الدهر كله.
وقوله تعالى : (هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ) (٦) أي يخلف بعضكم بعضا وفي ذلك ما يمكّن من العظة والاعتبار إذ العاقل من اعتبر بغيره فقد هلكت قبلكم أمم بذنوبهم فلم لا تتعظون بهم وقد خلفتموهم وجئتم بعدهم إذا فلا عذر لكم أبدا.
وبعد هذا البيان فمن كفر فعليه كفره هو الذي يتحمل جزاءه ، ولا يزيد الكافرين كفرهم عند ربهم (إِلَّا مَقْتاً) أي بعدا عن الرحمة وبغضا شديدا ، (وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ) أي المصرين على الكفر كفرهم (إِلَّا خَساراً) أي هلاكا في الآخرة.
هداية الآيات
من هداية الآيات :
١ ـ بيان مرّ العذاب وأليمه الذي هو جزاء الكافرين.
٢ ـ الإعذار لمن بلّغه الله من العمر أربعين سنة.
__________________
(١) قال القرطبي لما ذكر أهل الجنة وأحوالهم ومقالتهم ذكر أهل النار وأحوالهم ومقالتهم.
(٢) هذا كقوله تعالى : (ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى) من سورة الأعلى.
(٣) يصطرخون مبالغة في يصرخون افتعال من الصراخ وهو الصياح بشدة وجهد أي يصيحون من شدة ما أصابهم.
(٤) الاستفهام للتقريع والتوبيخ والواو عاطفة قولا محذوفا تقديره يقولون ربنا اخرجنا ونقول ألم نعمركم والتعمير تطويل العمر.
(٥) هل النذير القرآن أو الرسول صلىاللهعليهوسلم أو الشيب قال الشاعر :
رأيت الشيب من نذر المنايا |
|
لصاحبه وحسبك من نذير |
. وما في التفسير أصح.
(٦) أي خلفا بعد خلف وقرنا بعد قرن ، والخلف هو التالى للتقدم.