معنى الآيات :
قوله تعالى (وَامْتازُوا (١) الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ) أي يأمر تعالى المجرمين وهم الذين أجرموا على أنفسهم بالشرك وارتكاب المعاصي فأفسدوها يأمرهم بأن يتميّزوا عن المؤمنين فينفردوا وحدهم ويسار بأهل الجنة إلى الجنة ، ثم يوبخ تعالى المجرمين أهل النار بقوله (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ) (٢) موصيا إياكم على ألسنة رسلي وفي كتبي بأن (لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) ، وبأن تعبدوني وحدي ، ولا تعبدوا الشيطان معي فتشركوه في عبادتي هذا صراط مستقيم أي ترك عبادة الشيطان والقيام بعبادة الرحمن هذا هو الإسلام الصراط المستقيم الذي لا ينتهي بالسالكين إلا إلى باب دار السّلام. وقوله (وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا) أي خلقا كثيرا هذا من كلام الله الموبخ به للمجرمين. وقوله (أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ) (٣) وهذا تقريع وتوبيخ أيضا أي اطعتموه وهو عدوكم وعصيتموني وأنا ربكم فلم تكونوا تعقلون عداوة الشيطان لكم ، وواجب عبادتي عليكم لأني خلقتكم ورزقتكم وكلأتكم الليل والنهار إذا فهذه جهنم (٤) التي كنتم بها تكذبون (اصْلَوْهَا) أي احترقوا بها (بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ) بالله وآياته ولقائه وتكذبون رسله. وقوله تعالى (الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) هذا يحدث لما يعرضون على ربهم فيعرض عليهم أعمالهم فينكرون فعندئذ يختم الله على أفواههم فلا يستطيعون الكلام وتنطق باقي جوارحهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون قوله تعالى (وَلَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا عَلى أَعْيُنِهِمْ) فأعميناهم (فَاسْتَبَقُوا الصِّراطَ) أي ابتدروا الطريق كعادتهم فأنى يبصرون الطريق وقد طمس على أعينهم فلا مقلة فيها ولا حاجب ، ولكن الله لم يشأ ذلك لرحمته وحلمه على عباده ، وقوله (وَلَوْ نَشاءُ لَمَسَخْناهُمْ عَلى مَكانَتِهِمْ) (٥) أي ولو نشاء مسخ هؤلاء المجرمين من المشركين لمسخناهم في أماكنهم من منازلهم فلا يستطيعون مضيا في الطريق ولا رجوع إلى خلف أي لا ذهابا ولا إيابا ، وقوله تعالى (وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ (٦) فِي الْخَلْقِ أَفَلا يَعْقِلُونَ) فنرده رأسا على عقب
__________________
(١) يقال مازه فانماز وامتاز ، وميزه فتميز وامتازوا أمر من امتاز ويمتاز إذ انفرد عما كان مختلطا به ، والمراد بذلك سوقهم إلى النار بعد أن دخل المؤمنون الجنة.
(٢) الاستفهام للتقرير والتوبيخ على إهمالهم وصيته تعالى إليهم بأن لا يعبدوا الشيطان.
(٣) قوله تعالى (أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ) الاستفهام للتقريع والتأنيب.
(٤) قوله تعالى (هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) أي على ألسنة رسلي فكذبتم بها وواصلتم شرككم وكفركم. (اصْلَوْهَا الْيَوْمَ) أي احترقوا بها بما كنتم تكفرون أي بسبب كفركم الذي دسى نفوسكم وخبثها فحرمتم بذلك دار السّلام.
(٥) المكانة تأنيث المكان على تأويله بالبقعة.
(٦) قرأ الجمهور ننكسه بفتح النون الأولى وسكون الثانية مضارع نكس رأسه وقرأها عاصم (نُنَكِّسْهُ) بضم النون الأولى وفتح الثانية وكسر الكاف مشددة.