(مِنْ مَعِينٍ) : أي يجري على وجه الأرض كعيون الماء الجارية على الأرض.
(لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ) : أي الخمرة موصوفة بأنها لذة للشاربين.
(لا فِيها غَوْلٌ) : أي ما يغتال عقولهم وأجسامهم فيهلكهم.
(وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ) : أي لا يسكرون عنها أي بسببها كما هي خمر الدنيا.
(قاصِراتُ الطَّرْفِ) : أي لا ينظرن إلى غير أزواجهن لحسنهم وجمالهم عندهن.
(عِينٌ) : أي واسعات الأعين الواحدة عيناء.
(بَيْضٌ مَكْنُونٌ) : أي كأنهن بيض مكنون أي مستور لا يصله غبار ولا غيره.
معنى الآيات :
قوله تعالى (إِنَّكُمْ لَذائِقُوا (١) الْعَذابِ الْأَلِيمِ ، وَما تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) هذا يقال لأهل النار وهم موقوفون يتساءلون ومن جملة ما يقال لهم عندئذ هذا القول فيخبرون بأنهم ذائقوا العذاب الأليم الموجع ، وأنهم ما يجزون إلا بما كانوا يعملون فلا يظلمون بالجزاء بل هو جزاء عادل السيئة بمثلها. وهنا استثنى تعالى جزاء عباده المؤمنين الذي استخلصهم لعبادته فعبدوه ووحدوه فإنهم يجزون بأكثر من أعمالهم فضلا منه عليهم وإحسانا إليهم فالحسنة بعشر أمثالها وبأكثر إلى سبعمائة وأكثر ، فقال (إِلَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ) وبيّن تعالى بعض جزائهم فقال (أُولئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ) أي يأكلونه بكرة وعشيا (٢) ، وقوله (فَواكِهُ) (٣) فيه إشارة إلى أنهم لا يأكلون ولا يشربون لحفظ أجسادهم من الموت والفناء ، وإنما يأكلون ما يأكلون ويشربون ما يشربون تلذذا بذلك لا لدفع غائلة الجوع كما في الدنيا. (وَهُمْ مُكْرَمُونَ) أي في الجنة حيث لا تلحقهم إهانة أبدا ، وقوله (فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ) أضاف الجنة إلى النعيم مبالغة في وصفها بالنعيم حتى جعل الجنة جنّة النعيم فجعل للنعيم وهو النعيم جنة ، وأخبر أنهم متكئون فيها (عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ) ينظر بعضهم إلى بعض وهم في جلسات تنعم ، وأخبر عنهم أنهم في حال جلوسهم متقابلين يسقون بواسطة خدم من الملائكة خاص فقال (يُطافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ) أي من خمر تجرى بها الأنهار كأنها عيون الماء ، ووصف
__________________
(١) الأصل لذائقون العذاب فحذفت النون تخفيفا وأضيف لذائقوا إلى العذاب فخفض ولو نصب لجاز كقول الشاعر :
فألفيته غير مستعتب |
|
ولا ذاكر الله إلا قليلا |
(٢) (إِلَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ) : الاستثناء منقطع في معنى الاستدراك وهو تعقيب الكلام بما يضاده أو يرفع ما يتوهم ثبوته أو نفيه وهو الغالب في الاستدراك قرأ الجمهور المخلصين باسم المفعول وقرأها غيرهم باسم الفاعل بكسر اللام والمراد بهم أمة محمد صلىاللهعليهوسلم كما روي عن الشافعي قوله :
ومما زادني شرفا وفخرا |
|
وكدت بأخمصي أطأ الثريا |
دخولي تحت قولك يا عبادي |
|
وأن أرسلت أحمد لي نبيا |
(٣) عطف بيان من (رِزْقٌ مَعْلُومٌ) والمعنى أن طعامهم كله من الأطعمة التي يتفكه بها لا مما يؤكل للشبع.