معنى الآيات :
لما ذكر تعالى ما أعده لأهل الإيمان به وطاعته وطاعة رسوله من النعيم المقيم في الجنة دار الأبرار قال أذلك (١) المذكور من النعيم في الجنة خير نزلا والنزل ما يعد (٢) من قرى للضيف النازل وغيره أم شجرة الزقوم ، أي ثمرها وهو ثمر سمج مرّ قبيح المنظر. ثم أخبر تعالى أنه جعلها فتنة للظالمين من كفار قريش إذ قالوا لما سمعوا بها كيف تنبت الشجرة في النار والنار تحرق الشجر ، فكذبوا بها فكان ذلك فتنة لهم. ثم وصفها تعالى بقوله (إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ) أي في قعرها وتمتد فروعها في دركات النار. وقوله (طَلْعُها) أي ما يطلع من ثمرها في قبح منظره (كَأَنَّهُ رُؤُسُ (٣) الشَّياطِينِ) لأنّ العرب تضرب المثل بالشيطان في القبح كما أن هناك حيات يسمونها بالشيطان قبيحة المنظر وقوله (فَإِنَّهُمْ) أي الظلمة المشركين (لَآكِلُونَ مِنْها) أي من شجرة (٤) الزقوم لشدة جوعهم (فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ) أي بطونهم (ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْها لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ) وذلك أنهم لما يأكلون يعطشون فيسقون من حميم فذلك الشوب من الحميم إذ الشوب الخلط والمزج يقال شاب اللبن بالماء أي خلطه به وقوله (ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ) أي مردهم إلى الجحيم بعد ما يأكلون ويشربون في مجالس خاصة بالأكل والشرب يردون إلى نار الجحيم.
وقوله تعالى (إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آباءَهُمْ ضالِّينَ) أي وجدوا آباءهم ضالين عن طريق الهدى والرشاد (فَهُمْ عَلى آثارِهِمْ يُهْرَعُونَ) (٥) أي يهرولون مسرعين وراءهم يتبعونهم في الشرك والكفر والضلال وقوله تعالى (وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ) أي فليس هؤلاء أول من ضل (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا) أي في أولئك الضالين من الأقوام السالفين منذرين أي رسلا ينذرونهم فلم يؤمنوا فأهلكناهم (فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ) إنها كانت هلاكا ودمارا للكافرين. وقوله تعالى (إِلَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ) (٦) استثناء منه تعالى لعباده المؤمنين الصالحين وهم الذين استخلصهم لعبادته بذكره وشكره فآمنوا وأطاعوا فإنه تعالى نجاهم وأهلك أعداءهم الكافرين المكذبين وفي الآية تهديد ووعيد لكفار قريش بما لا مزيد عليه.
__________________
(١) (أَذلِكَ خَيْرٌ) : مبتدأ وخبر ونزلا تمييز ، والمعنى أنعيم الجنة خير نزلا أم شجرة الزقوم خير نزلا؟
(٢) قرى الضيف هو ما يعدّ له من طعام وشراب وفراش ويسمى النزل بضم النون والزاي ويجوز تسكين الزاي.
(٣) مما تعارف عليه العرب أنهم يصورون كل قبيح (بصورة الشياطين) قال امرؤ القيس :
أيقتلونني والمشرفي مضاجعي |
|
ومسنونة زرق كأنياب أغوالي |
انظر كيف صور سهامه المحددة بصوره أنياب الأغوال ولا يوجد أغوال في الواقع وإنما مجرد تصور وتقدير لا غير.
(٤) هذا الطعام والشراب مقابل ما لأهل الجنة من رزق معلوم فواكه وهم مكرمون في جنات النعيم.
(٥) الإهراع الإسراع من شخص يستحثه بشيء على الإسراع والهرولة.
(٦) الاستثناء متصل لأن المخلصين كانوا من جملة المنذرين فصدقوا المنذرين واتبعوهم وذلك باستخلاص الله تعالى لهم لعبادته والدعوة إليه.