الأرض من يأمر بمعروف ولا من ينهى عن منكر (أَخْرَجْنا لَهُمْ) لفتنتهم (دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ) حيوان أرضى ليس بسماوي (تُكَلِّمُهُمْ) أي بلسان يفهمونه ، (أَنَّ النَّاسَ (١) كانُوا بِآياتِنا لا يُوقِنُونَ) هذه علة تكليمهم وهي بأن الناس كفروا وما أصبحوا يوقنون بآيات الله وشرائعه فيخرج الله تعالى هذه الدابة لحكم منها : أن بها يتميز المؤمن من الكافر. وقوله تعالى : (وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً) أي واذكر يا رسولنا (يَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ) من الأمم البشرية (فَوْجاً) أي جماعة (مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآياتِنا فَهُمْ يُوزَعُونَ) بأن يرد أولهم على آخرهم لينتظم سيرهم (حَتَّى إِذا جاؤُ) الموقف موضع الحساب يقول الله تعالى لهم : (أَكَذَّبْتُمْ بِآياتِي) وما اشتملت عليه من أدلة وحجج وشرائع وأحكام (وَلَمْ تُحِيطُوا بِها عِلْماً ،) وهذا تقريع لهم وتوبيخ. إذ كون الانسان لم يحط علما بشيء لا يجوز له أن يكذب به لمجرد أنه ما عرفه. وقوله : (أَمَّا ذا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) أي ما الذي كنتم تعملون في آياتي من تصديق وتكذيب. قال تعالى (وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ) أي وجب العذاب (بِما ظَلَمُوا) أي بسبب ظلمهم (٢) (فَهُمْ لا يَنْطِقُونَ). أي بعجزهم عن الدفاع عن أنفسهم لأنهم ظلمه مشركون.
وقوله تعالى : (أَلَمْ (٣) يَرَوْا) أي ألم يبصر أولئك المشركون المكذبون بالبعث والجزاء أن الله تعالى جعل (اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ) وسكونهم هو موتهم على فرشهم بالنوم فيه (وَالنَّهارَ) أي وجعل (النَّهارَ مُبْصِراً) أي يبصر فيه ليتصرفوا فيه بالعمل لحياتهم ، فنوم الليل شبيه بالموت وانبعاث النهار شبيه بالحياة ، فهي عملية موت وحياة متكررة طوال الدهر فكيف ينكر العقلاء البعث الآخر وله صورة متكررة طوال الحياة ، ولذا قال تعالى : (إِنَّ فِي ذلِكَ) أي في ذلك العمل المتكرر للموت والحياة كل يوم وليلة (لَآياتٍ) أي براهين وحجج قاطعة على وجود بعث وحياة بعد هذا الموت والحياة. وخص المؤمنون بالذكر وبالحصول على البرهان المطلوب من عملية الليل والنهار لأن المؤمنين أحياء يسمعون ويبصرون ويفكرون والكافرين أموات والميت لا يسمع ولا يبصر ولا يعي ولا يفكر.
__________________
(١) قرأ نافع بكسر إنّ ، والجملة تعليلية لما قبلها ، وقرأ حفص بفتحها على تقدير حرف جرّ قبلها بأن أو لأن للسببية أو التعليل.
(٢) أي : بشركهم إذ الشرك أعظم أنواع الظلم وهو الموجب لدخول النار والخلود فيها.
(٣) الاستفهام هنا للتعجب من حالهم كيف لا يبصرون آيات الله في الكون فتهديهم إلى توحيد الله تعالى.