معنى الآيات :
بعد كل ذلك العرض للقصص ولما في الجنة والنار وما تقرر به من التوحيد والنبوة والبعث والجزاء أمر تعالى رسوله أن يقول لمشركي قريش (إِنَّما أَنَا مُنْذِرٌ) (١) أي مخوف من عذاب الله الواجب لكل من كفر به وكذب بآياته ولقاه وترك عبادته وعبد الشيطان عدوه ، كما أخبركم مقررا انه ليس هناك من إله قط إلا الله الواحد في ذاته وصفاته وربوبيته وعبادته القهار لكل قاهر والجبار لكل جبار (رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا) أي مالك لها متصرف فيها دون شريك له في ذلك. العزيز الانتقام ممن كفر به وعصاه الغفار لمن أناب إليه واتبع هداه. وقوله تعالى (قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ) أي يأمر تعالى رسوله أن يقول للمشركين من أهل مكة هو أي (٢) القرآن وما حواه من تقرير التوحيد والنبوة والبعث والجزاء وعرض القصص والأحداث ووصف الجنة والنار نبأ عظيم أي خبر ذو شأن عظيم أنتم عنه معرضون تأبون سماعه والإيمان به والاهتداء بهديه. بدعوى أني اختلقته وافتريته وهي حجة داحضة وأدلتكم في ذلك واهية. كيف يكون ما اتلوه عليكم من القرآن افتراء منّي عليكم وعلى الله ربي وربكم. وانه (ما كانَ لِي (٣) مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلى إِذْ يَخْتَصِمُونَ) (٤) عند ما قال الله للملائكة (إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ) وقال (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) فقال الملائكة (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ) كيف عرفت أنا هذا وحدثت به لو لم يكن وحيا من الله أوحاه إليّ. يا قوم إنه ما يوحى إليّ إلا انما أنا نذير مبين أي
__________________
(١) في هذه الآيات الثلاث الترهيب والترغيب ببيان قدرة الله وجبروته وبيان ربوبيته الموجبة للألوهية المستلزمة لمغفرته ورحمته لمن تاب إليه بتوحيده وطاعته بعد الإيمان به وبرسوله ولقائه.
(٢) كون النّبأ هو القرآن هذا ما ذهب إليه ابن جرير رحمهالله تعالى ، ومن فسره بما سبق ذكره من الانذار وما عرض من أحوال أهل الجنة وأهل النار فإن ما في التفسير شامل لكل ذلك وهاد إليه ودال عليه والحمد لله.
(٣) قوله تعالى : (ما كانَ لِي مِنْ عِلْمٍ) الخ استئناف لأجل الاستدلال على صدق القرآن بأنه وحي من الله تعالى ولو لا أنه وحي لما كان للرسول علم به لا إجمالا ولا تفصيلا ولهذا الاستدلال نظائر نحو (وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ) ، (وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ) ، (وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ) ، (وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ إِذْ نادَيْنا).
(٤) قال بعض المفسرين تخاصم الملأ الأعلى هو اشراف قريش فيما بينهم سرا وقال آخرون هو تخاصم أهل النار وقيل والصواب ما في التفسير وهو أن الملأ الأعلى الملائكة وما جرى بينهم في شأن السجود لآدم وامتناع ابليس عن ذلك وفي الآية بعد تفسير هذا الاختصام وأما حديث السنن فلم يرد به ما في هذه الآيات ونصه «إني قمت من الليل فصليت ما قدر لي فنعست في صلاتي حتى استيقظت فإذا أنا بربي عزوجل في أحسن صورة فقال يا محمد ا تدري فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت لا أدري يا رب ـ أعادها ثلاثا ـ فرأيته وضع كفه بين كتفي حتى وجدت برد أنامله بين صدري فتجلى لي كل شيء وعرفت فقال يا محمد فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت في الكفارات. قال وما الكفارات؟ قلت : نقل الأقدام إلى الجماعات والجلوس في المساجد بعد الصلوات وإسباغ الوضوء عند الكريهات قال وما الدرجات؟ قلت إطعام الطعام ولين الكلام والصلاة والناس نيام. قال سل قلت : اللهم إني أسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين وأن تغفر لي وترحمني وإذا أردت فتنة بقوم فتوفني غير مفتون وأسألك حبك وحب من يحبك وحب عمل يقربني إلى حبك هذا «حديث المنام».