(مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ) : وهي الإيمان والتوحيد وسائر الصالحات.
(فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها) : أي الجنة.
(وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ) : أي الشرك والمعاصي فله النار يكب وجهه فيها.
(وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ) : أي أصحاب حسنات التوحيد والعمل الصالح آمنون من فزع هول يوم القيامة.
(وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ) : أي جاء بالسيئة كالشرك وأكل الربا ، وقتل النفس ، فكبت وجوههم في النار والعياذ بالله أي القوا فيها على وجوههم
(هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) : أي ما تجزون إلا بعملكم ، ولا تجزون بعمل غيركم.
معنى الآيات :
ما زال السياق في ذكر أحداث القيامة تقريرا لعقيدة البعث والجزاء التي هي الباعث على الاستقامة في الحياة. فقال تعالى (وَيَوْمَ (١) يُنْفَخُ فِي الصُّورِ) أي ونفخ إسرافيل بإذن ربه في الصور الذي هو القرن أو البوق (فَفَزِعَ) (٢) (مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللهُ) وهي نفخة الفزع فتفزع لها الخلائق إلا من استثنى الله تعالى وهم الشهداء فلا يفزعون وهي نفخة الفناء أيضا إذ بها يفنى كل شىء ، وقوله تعالى (وَكُلٌّ أَتَوْهُ) (٣) أي أتوا الله تعالى (داخِرِينَ) أي صاغرين ذليلين أتوه إلى المحشر وساحة فصل القضاء وقوله (وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً) أي لا تتحرك وهي في نفس الواقع تسير (٤) سير السحاب (صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ) أي أوثق صنعه (٥) وأحكمه (إِنَّهُ خَبِيرٌ بِما تَفْعَلُونَ) وسيجزيكم أيها الناس بحسب علمه (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ) وهي الايمان والعمل الصالح (فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها) ألا وهي الجنة (وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ) وهي الشرك والمعاصى (فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ) فذلك
__________________
(١) العامل في الظرف محذوف للعلم به أي : واذكر يوم ينفخ في الصور ، والنافخ هو اسرافيل عليهالسلام.
(٢) للفزع معنيان ، وكلاهما صالح لدلالة هذا اللفظ عليه ، الأوّل : الفزع بمعنى الإسراع : لنداء الداعي ، والثاني الخوف والهلع.
(٣) قرأ حفص (وَكُلٌّ أَتَوْهُ) بالفعل الماضي ، وقرأ نافع آتوه باسم الفاعل أي : آتون إليه جمع آت.
(٤) قيل : إنّ قوله تعالى (وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ) هو خطاب للنبي صلىاللهعليهوسلم خاصة أطلعه فيه على سر من أسرار الكون ولم يبح به لعجز الناس عن إدراكه في ذلك الزمن وحقيقته : أن الأرض تدور حول الشمس دورة في كل يوم وليلة ، ودورتها هي تسير معها الجبال فيها قطعا فيرى المرء الجبال يحسبها جامدة وهي تمر مع الأرض مرّ السحاب والمرور غير السير فالسير يوم الفناء أما المرور يقال : مرّ بفلان يحمله معه ولا يقال سار به. ورشح هذا المعنى قوله بعد : (صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ).
(٥) الصنع مصدر صنع الشيء يصنعه صنعا.