(سَيُرِيكُمْ آياتِهِ) : أي مدلول آيات الوعيد فيعرفون ذلك وقد أراهموه في بدر وسيرونه عند الموت.
(وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) : أي وما ربك أيها الرسول بغافل عما يعمل الناس وسيجزيهم بعملهم.
معنى الآيات :
إنه بعد ذلك العرض الهائل لأحداث القيامة والذي المفروض فيه أن يؤمن كل من شاهده ولكن القوم ما آمن أكثرهم ومن هنا ناسب بيان موقف الرسول صلىاللهعليهوسلم وهو أنه عبد مأمور بعبادة ربه لا غير ربه الذي هو رب هذه البلدة الذي (١) حرمها فلا يقاتل فيها ولا يصاد صيدها ولا يختلى خلاها ولا تلتقط لقطتها إلا لمن يعرفها ، وله كل شيء خلقا وملكا وتصرفا فليس لغيره معه شيء في العوالم كلها علويّها وسفليّها وقوله : (وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) أي وأمرني ربي أن أكون في جملة المسلمين أي المنقادين لله والخاضعين له وهم صالحو عباده من الأنبياء والمرسلين. وقوله : (وَأَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ) أي وأمرني أن أتلو القرآن تلاوة إنذار وتعليم وتعبدا وتقربا إليه تعالى وبعد تلاوتي فمن اهتدى عليها فعرف طريق الهدى وسلكه فنتائج الهداية وعائدها عائد عليه هو الذى ينتفع بها. ومن ضل فلم يقبل الهدى وأقام على ضلالته فليس علي هدايته لأن ربي قال لي قل لمن ضل (إِنَّما أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ) لا من واهبى الإيمان والهداية انما يهب الهداية ويمن بها الله الذي بيده كل شيء (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ) وأمرني أن أحمده على كل ما وهبني من نعم لا تعد ولا تحصى ومن أجلّها إكرامه لي بالرسالة التي شرفني بها على سائر الناس فالحمد لله والمنة له وقوله (سَيُرِيكُمْ آياتِهِ (٢) فَتَعْرِفُونَها) أي وأعلم هؤلاء المشركين أن الله ربي سيريكم آياته في مستقبل أيامكم وقد أراهم أول آية في بدر وثاني آية في الفتح وآخر آية عند الموت يوم تضرب الملائكة وجوههم وأدبارهم وتقول لهم «ذوقوا عذاب الحريق» وقوله تعالى (وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) (٣) أي وما ربك الذي أكرمك وفضلك أيها الرسول (بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) أيها الناس مؤمنين وكافرين وصالحين وفاسدين وسيجزى كلا بعمله وذلك يوم ترجعون إليه ففي الآية وعد ووعيد.
__________________
(١) قرأ ابن عباس رضي الله عنهما : ربّ هذه البلدة التي حرّمها نعتا للبلدة. وقرأ الجمهور الذي وهو في موضع نصب نعت ل ربّ.
(٢) أي : في أنفسكم وفي غيركم كما قال تعالى : (سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ) من سورة فصلت.
(٣) قرأ نافع وحفص والجمهور بتاء الخطاب ، وقرأ غيرهم بباء الغيبة.