وقوله تعالى : (وَأَنِيبُوا) (١) (إِلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ) (٢) أي أيها المذنبون المسرفون أنيبوا إلى ربكم أي ارجعوا إلى طاعته بفعل المأمور وترك المنهي وأسلموا له أي أخلصوا أعمالكم ظاهرا وباطنا له مبادرين بذلك حلول العذاب قبل أن يحل بكم ثم لا تنصرون أي لا تقدرون على منعه منكم ولا دفعه عنكم.
(وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ) في هذا القرآن العظيم فامتثلوا الأمر واجتنبوا النهي وخذوا بالعزائم واتركوا الرخص مبادرين بذلك أيضا حلول العذاب قبل أن يحل بكم بغتة أي فجأة وأنتم لا تشعرون به ،
بادروا بالتوبة والإنابة والإسلام الصادق ظرفا تقول فيه النفس (يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ) أي يا حسرتى (٣) يا ندامتى الحاملة لي الغم والحزن احضري هذا وقت حضورك على تفريطي في جانب (٤) حق الله تعالى حيث ما عبدته حق عبادته فلا ذكرته ولا شكرت له (وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ) أي المستهزئين بدينه وعباده المؤمنين يا له من اعتراف يودي بصاحبه في سواء الجحيم ، بادروا يا عباد الله هذا وذاك (أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللهَ هَدانِي (٥) لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذابَ لَوْ أَنَّ لِي (٦) كَرَّةً) أي رجعة إلى الحياة الدنيا (فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) أي المؤمنين الذين أحسنوا النية والقصد والعمل. قال تعالى : رادا على تمنياتهم الكاذبة (بَلى) أي ليس الأمر كما زعمت أيها المتمني بقولك (لَوْ أَنَّ اللهَ هَدانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) للشرك والمعاصي التي وقعت بها في جهنم بل جاءتك آياتي هادية لك مرشدة فكذبت بها واستكبرت عن العمل بما جاء فيها وكنت من الكافرين بذلك.
هداية الآيات :
من هداية الآيات :
١ ـ بيان فضل الله ورحمته على عباده بقبول توبة العبد إن تاب مهما كانت ذنوبه.
٢ ـ دعوة الله الرحيم إلى عباده المذنبين ـ بالانابة إليه والإسلام الخالص له.
٣ ـ تقرير البعث والجزاء بذكر ما يحدث فيه وما يجرى في ساحته من أهوال.
__________________
(١) الإنابة التوبة ولما في التوبة من معنى الرجوع عدي الفعل بإلى.
(٢) النصر : الإعانة على الغلبة بحيث يتخلص المغلوب من يد غالبه ولا نصير لأحد على الله تعالى.
(٣) الحسرة : الندامة الشديدة والألف في (يا حَسْرَتى) عوض عن ياء المتكلم.
(٤) قال الحسن في طاعة الله وقال الضحاك في ذكر الله يعني القرآن والعمل به ، وقال أبو عبيدة أي في ثواب الله وما في التفسير جامع شامل والجنب والجانب بمعنى واحد.
(٥) هذه كلمة حق أريد بها باطل كما قال علي للخوارج لما قالوا لا حكم إلا لله.
(٦) الكرة : الرجعة ولو للتمني فهي وليت سواء.