(كَذلِكَ) : أي مثل إضلالهم يطبع الله أي يختم بالضلال على كل قلب متكبر.
معنى الآيات :
ما زال السياق الكريم فيما دار من كلام في مجلس الحكومة ، وها هو ذا مؤمن آل فرعون يتناول الكلمة بعد فرعون الذي أعاد تقرير ما عزم عليه من قتل موسى عليهالسلام فقال ما أخبر تعالى به عنه في قوله : (وَقالَ الَّذِي آمَنَ) وهنا أعلن عن إيمانه الذي كان يكتمه يا قوم إني أخاف عليكم أي إن أنتم أصررتم على قتل موسى وقتلتموه (أَخافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزابِ) وهو اليوم الذي أخذ الله فيه قوم نوح ، وعاد وثمود أي أخاف عليكم جزاء عادتهم وهي استمرارهم على الكفر والشك والتكذيب حتى حلت بهم نقمة الله ونزل بهم عذابه وواصل وعظه قائلا ، (وَيا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنادِ (١) يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ) أي فارين من النار هاربين إلى الموقف وهو يوم القيامة الذي تكثر فيه النداءات والصرخات (ما لَكُمْ (٢) مِنَ اللهِ مِنْ عاصِمٍ) يعصمكم من العذاب وينجيكم منه. وبعد هذا الوعظ البليغ قال (وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ) إشارة إلى أن القوم لم يتأثروا بكلامه فقال متعزيا بعلمه بتدبير الله في خلقه فقال : (وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ) فإن من كتب الله عليه الضلالة ليصل إلى الشقاوة بكسبه فلا هادي له أبدا ، إذ الله لا يهدي من يضل ثم قال لهم مواصلا كلامه (وَلَقَدْ جاءَكُمْ (٣) يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ) أي من قبل موسى وهو يوسف بن يعقوب بن اسحاق بن ابراهيم عليهمالسلام بالبينات والحجج الدالة على توحيد الله ووجوب طاعته ، غير أنكم مع الأسف (فَما زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جاءَكُمْ بِهِ) فلم تؤمنوا ولم توقنوا (حَتَّى إِذا هَلَكَ) (٤) أي مات عليهالسلام فرحتم بموته (قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولاً) متخرصين متقولين على الله بدون علم فأضلكم الله بكذبكم عليه (كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ) (٥) في الكذب مثلكم (مُرْتابٌ) في كل شيء لا يعرف اليقين في شيء ، والعياذ بالله ، ثم
__________________
(١) قراءة العامة (التَّنادِ) بتخفيف الدال من النداء وهو الدعاء والطلب للحضور أو الإغاثة وقرىء التناد بتشديد الدال من ند البعير إذا هرب إذ هم فعلا يهربون وشاهده في الآية يوم تولون مدبرين. والجمهور على حذف الياء وقفا ووصلا. وبعضهم أثبتها وصلا ووقفا وكلا القرائتين صحيحة.
(٢) هذه الجملة في موقع الحال والعاصم المانع والحافظ.
(٣) لما تفرّس فيهم عدم نفع النصح لهم آثر عتابهم ولومهم بقوله ولقد جاءكم يوسف الخ واللام في ولقد جاءكم لام القسم لأنهم كالمنكرين فلذا أكد الخبر بالقسم.
(٤) (إِذا) اسم للزمان الماضي مجرورة بحتى قبلها وليست بظرف أي حتى زمن هلاك يوسف قلتم .. والقائل أسلافهم الغابرون يوم مات يوسف عليهالسلام.
(٥) المسرف : المفرط في فعل أو قول ما لا خير فيه ، والمرتاب الشديد الريب أي الشك.