(أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ) : أي أعرض عن الشكر ونأى بجانبه متبخترا مختالا فى مشيته.
(فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ) : أى فهو ذو دعاء لربه طويل عريض يا رباه يا رباه.
معنى الآيات :
يخبر تعالى عن الإنسان (١) الكافر الذى لم تزك نفسه ولم تطهر روحه بالإيمان وصالح الأعمال انه لا يسأم ولا يمل من دعاء الخير (٢) أي المال والولد والصحة والعافية فلا يشبع من ذلك بحال. ولئن مسه الشر من ضر وفقر ونحوهما فهو يئوس (٣) قنوط يؤوس من الفرج وتبدل الحال من عسر إلى يسر قنوط ظاهر عليه آثار اليأس فى منطقة وفى حاله كله هذا ما تضمنته الآية الأولى (٤٩) (لا يَسْأَمُ (٤) الْإِنْسانُ مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُسٌ قَنُوطٌ) وأما الآية (٥٠) فإن الله تعالى يخبر ايضا عن الإنسان الكافر إذا أذاقه الله رحمة منه من مال وصحة واجتماع شمل مثلا ، وذلك من بعد ضراء مسته من مرض وفقر ونحوهم ليقولون لجهله وسفهه : هذا لى أي استحققته بمالى من جهد ومكانه وعلم وإذا ذكر بالساعة من أجل أن يرفق أو يتصدق يقول ما أظن الساعة قائمة كما تقولون وإن قامت على فرض صحة قولكم إن لى عنده أي عند الله للحسنى أي للحالة الحسنى من غنى وغيره (٥) وجنة إن كانت كما تقولون.
وقوله تعالى (فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِما عَمِلُوا) أي يوم القيامة عند عرضهم علينا ، ولنذيقهم من عذاب غليظ يخلدون فيه لا يخرجون منه أبدا.
وقوله تعالى فى الآية الأخيرة (٥١) وإذا انعمنا على الإنسان بنعمة المال والولد والصحة أعرض عن ذكرنا وشكرنا وتخلى عن طاعتنا ونأى (٦) بجانبه متباعدا متبخترا مختالا يكاد يضاهى الطاووس فى مشيته. وإذا سلبناه ذلك ومسه الشر من مرض وفقر وجهد وبلاء فهو ذو دعاء عريض لنا يا رب يا رب يا رب. هذا ليس الرجل الأول الذى ييأس ويقنط ، ذاك كافر ، وهذا مؤمن ضعيف الإيمان جاهل لا أدب عنده ولا خلق. وما أكثر هذا النوع من الرجال فى المسلمين اليوم والعياذ
__________________
(١) قيل المراد بالإنسان الكافر هنا الوليد بن المغيرة ، وقيل عتبة وشيبة ابنا ربيعة وأمية بن خلف. والآية تحمل وصفا للإنسان الكافر أيا كان والمراد من الدعاء الطلب والرغبة الملحة.
(٢) شاهده من السنة قوله صلىاللهعليهوسلم في الصحيح «لو أن لابن آدم واديين من ذهب لتمنى الثالث ولا يملأ عين ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب».
(٣) اليأس كالقنوط من رحمة الله كفر بالمؤمن لقوله تعالى (إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ).
(٤) اشتملت الآية على خلقين عجيبين الأول خلق البطر بالنعمة والغفلة عن الشكر لله تعالى والثاني اليأس والقنوط من رجوع النعمة بعد فقدها.
(٥) يروى عن الحسن بن محمد بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم للكافر أمنيتان أما في الدنيا فيقول لئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى ، وأما في الآخرة فيقول يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين.
(٦) النأي البعد وهو كناية عن عدم التفكر في المنعم عليه ليشكره فعبر عن هذا بالبعد.