شقاق (١) بعيد اللهم لا أحد يكون أضل منكم عن طريق الهدى إذا فلم لا تثوبون إلى رشدكم وتؤمنون بآيات ربكم فتكملوا عليها وتسعدوا.
ثم قال تعالى : (سَنُرِيهِمْ (٢) آياتِنا) الدالة على صدقنا وصدق رسولنا فيما أخبرناهم به ودعوناهم إليه من الإيمان والتوحيد والبعث والجزاء وذلك في (٣) الآفاق أي من أقطار السموات والأرض مما ستكشف عنه الأيام من عجائب تدبير الله ولطائف صنعه ، وفى انفسهم (٤) أيضا أي فى ذواتهم حتى يتبين لهم أنه الحق ، من ذلك فتح القرى والأمصار وانتصار الإسلام كما أخبر به القرآن ، ووقعة بدر وفتح مكة من ذلك وما ظهر لحدّ الآن من كشوفات فى الآفاق وفى الأنفس مما أشار إليه القرآن ما هو أعجب من ذلك قوله تعالى : (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) فنظام الزوجية السارى فى كل جزئيات الكون شاهد قوى على صدق القرآن وأنه الحق من عند الله ، وان الله حق وأن الساعة حق وقوله تعالى : (أَوَلَمْ (٥) يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ؟) هذا توبيخ لهؤلاء المكذبين بإعلامهم أن شهادة الله كافية فى صدق محمد وما جاء به إن الله هو المخبر بذلك والآمر بالإيمان به فكيف يطالبون بالآيات على صدق القرآن ومن نزل عليه والله المرسل للرسول والمنزل للكتاب وقوله تعالى : (أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقاءِ رَبِّهِمْ) إعلام منه تعالى بما عليه القوم من الشك فى البعث والجزاء وهو الذى سبب لهم كثيرا من أنواع الشر والفساد. وقوله : (أَلا إِنَّهُ (٦) بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ) علما وقدرة وعزة وسلطانا فما أخبر به عنهم من علمه وما سيجزيهم به من عذاب إن أصروا على كفرهم من قدرته وعزته. ألا فليتق الله امرؤ مصاب بالشك فى البعث وكل الظواهر دالة على حتميته ووقوعه فى وقته المحدد له.
هداية الآيات :
من هداية الآيات :
١ ـ التنديد بالكفر بالقرآن والتكذيب بما جاء فيه من الهدى والنور.
٢ ـ لا أضل ممن يكذب بالقرآن لأنه يعيش فى خلاف وشقاق لا أبعد منه.
٣ ـ صدق وعد الله تعالى حيث أرى المشركين وغيرهم آياتيه الدالة على وحدانيته وصحة دينه وصدق أخباره ما آمن عليه البشر الذين لا يعدون كثرة.
__________________
(١) الشقاق العداء والمراد به العداء لله والرسول والمؤمنين الناجم عن ردهم القرآن وتكذيبهم بالوحي المثبت للنبوة المحمدية.
(٢) الآيات تشمل آيات القرآن والآيات الخارجة عن القرآن.
(٣) الآفاق جمع أفق الناحية من الأرض المتميزة عن غيرها والناحية من قبة السماء.
(٤) قال القرطبي (وَفِي أَنْفُسِهِمْ) من لطيف الصنعة وبديع الحكمة حتى سبيل الغائط والبول فإن الرجل يشرب ويأكل من مكان واحد ويتميز ذلك من مكانين ، وبديع صنعة الله وحكمته في عينيه اللتين هما قطرة ماء ينظر بهما ، وفي أذنيه وكيف يفرق بين الأصوات المختلفة إلى غير ذلك.
(٥) المعنى : تكفيك شهادة ربك بصدقك فلا تلتفت إلى تكذيبهم.
(٦) وصف الله بالمحيط هو كذلك محيط بعلمه وقدرته وقهره لكل خلقه.