(كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) : الصالحة التى هى ثمرة إيمانكم الصادق وإخلاصكم الكامل.
معنى الآيات :
ما زال السياق فى ذكر أحداث الساعة قال تعالى : (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ (١) بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ) أي إذا جاءت الساعة الأخلاء أى الأحباء فى الدنيا يوم إذ تأتى الساعة (بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ) فتنقطع تلك الخلة والمودة وتصبح عداء لأنها كانت على معصية الله تعالى وقوله (إِلَّا الْمُتَّقِينَ) أي الله عزوجل بفعل أوامره وترك نواهيه فإن مودتهم وخلتهم لا تنقطع لأنها كانت محبة فى الله وما كان لله دام واتصل ، وما كان لغير الله انقطع وانفصل يناديهم ربهم بقوله يا عبادى (٢) (لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ (٣) وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ) ، ويصفهم بقوله (الَّذِينَ آمَنُوا بِآياتِنا) أي بالقرآن (وَكانُوا مُسْلِمِينَ) أى منقادين لله ظاهرا وباطنا ، ويقول لهم (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْواجُكُمْ تُحْبَرُونَ) أي أنتم وزوجاتكم المؤمنات تفرحون وتسرون وقوله تعالى : (يُطافُ عَلَيْهِمْ) بيان لنعيم الجنة الذى ينعمون به وهو انه يطاف عليهم (بِصِحافٍ مِنْ ذَهَبٍ) (٤) وهى قصاع ، فيها الذ الطعام وأشهاه ، (وَأَكْوابٍ) من ذهب أيضا فيها الذ الشراب والأكواب جمع كوب وهو إناء لا عروة له ولا خرطوم ـ حتى يمكن الشرب منه من أى جهة من جهاته وفيها أي فى الجنّة (ما تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ) من سائر المستلذات ، (وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ) من سائر المرئيات ويقال لهم لكم ما تشتهون (وَأَنْتُمْ فِيها خالِدُونَ) لا تخرجون منها ولا تموتون فيها.
وقوله تعالى : (وَتِلْكَ الْجَنَّةُ) (٥) أي وهذه هى الجنة التى أورثتموها بما كنتم تعملون من الصالحات والخيرات ، ووجه الوراثة أن الله تعالى خلق لكل إنسان منزلين أحدهما فى الجنة والثانى فى النار فكل من دخل الجنة ورث منزل أحد دخل النار فهذا أوجه التوارث والباء فى بما
__________________
(١) ذكر القرطبي رواية عن النقاش ان هذه الآية نزلت في أمية بن خلف الجمحي وعقبة بن أبي معيط كانا خليلين وكان عقبة يجالس النبي صلىاللهعليهوسلم فقالت قد صبأ عقبة فقال أمية وجهي من وجهك حرام إن لقيت محمدا ولم تتفل في وجهه ففعل عقبة عليهما لعائن الله ذلك فنذر النبي صلىاللهعليهوسلم قتله فقتله يوم بدر صبرا وقتل أمية في المعركة ففيهم نزلت هذه الآية والآية عامة في كل كافر وظالم.
(٢) قرأ نافع والجمهور يا عبادي بالياء بعد الدال وهي ياء المتكلم وقرأ حفص بحذفها تخفيفا لدلالة اللفظ والسياق عليها.
(٣) روي ان المنادي لما يقول يا عبادي لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون يرفع أهل العرصة رؤوسهم فيقول المنادي الذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين فينكس أهل الأديان رؤسهم إلا المسلمين.
(٤) في الصحيحين عن حذيفة انه سمع رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول «لا تلبسوا الحرير ولا الديباج ولا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافها فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة». وفي صحيح مسلم أن أهل الجنة يأكلون فيها ويشربون ولا يتفلون ولا يبولون ولا يتغوطون ولا يتمخطون. قالوا فما بال الطعام؟ قال جشأ ورشح كرشح المسك يلهمون التسبيح والتحميد والتكبير.
(٥) أشار إليها بلام البعد لعلوها وعظيم منازلها وسمو درجاتها.