خالقهم ورازقهم ومدبر أمر حياتهم (أَرَأَيْتُمْ) (١) أي أخبروني (إِنْ جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً) أي (٢) دائما ليلا واحدا متصلا لا يعقبه نهار (إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) أخبروني هل هناك (إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِضِياءٍ) (٣) كضياء النهار ، والجواب لا أحد وإذا فكيف تشركون به أصناما. (أَفَلا تَسْمَعُونَ) ما يقال لكم. وقل لهم أيضا (أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ النَّهارَ سَرْمَداً) أي دائما متصلا لا يخلفه ليل أبدا (إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) إلى إنقراض هذا الكون وانتهاء هذه الحياة وقيام الناس لربهم من قبورهم يوم القيامة (مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ) أي أيّ إله غير الله (يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ) فتخلدون إلى الراحة بالنوم والسكون وعدم الحركة فيه ، وإذا قلتم لا أحد يأتينا بليل نسكن فيه إذا فما لكم لا تبصرون هذه الآيات ولا تسمعون ما تحمله من الأدلة والحجج القواطع القاضية بأنه لا إله إلا الله ، ولا معبود بحق سواه. وقوله تعالى : (وَمِنْ رَحْمَتِهِ (٤) جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ) إذ ليس واجبا عليه ذلك وانما هو فضل منه ورحمة فالليل تسكنون فيه والنهار تتحركون فتبتغون رزقكم من فضل الله ، وبذلك تهيؤون للشكر إذا أكلتم أو شربتم أو ركبتم أو نزلتم قلتم الحمد لله ، والحمد لله رأس الشكر ، كما أن الليل والنهار ظرف للعبادة التي هي الشكر ، فالعبادات لا تقع إلا في الليل والنهار ، فالصيام في النهار والقيام بالليل والصلاة والصدقات فيهما. وقوله تعالى : (وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ) أي اذكر يا رسولنا لهم تنبيها وتعليما يوم يناديهم الرب تبارك وتعالى فيقول لهم : (أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ) أنهم شركاء لي فعبدتموهم ، وهل يرجى أن يجيبوا لا ، لا ، وانما هذا السؤال ونظائره هو سؤال تبكيت وتأنيب وتوبيخ وهو نوع من العذاب النفسي الذي هو أشد من العذاب الجسمي. وقوله تعالى : (وَنَزَعْنا (٥) مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً) أي وأذكر لهم هذا الموقف من مواقف القيامة الصعبة (وَنَزَعْنا) أي أحضرنا (مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً) يشهد عليها وهو
__________________
(١) حقق الهمزة من (أَرَأَيْتُمْ) حفص ، وخففها ورش فقلبها ألفا تخفيفا أرايتم.
(٢) (سَرْمَداً) أي : دائما. قال طرفة بن العبد.
لعمرك ما أمري عليّ بعمة |
|
نهاري ولا ليلي عليّ بسرمد |
(٣) أي : بنهار تبصرون فيه معايشكم ويصلح فيه ثماركم ونباتاتكم.
(٤) فيه تصريح بأنّ الليل بما يحصل فيه من سكون وراحة للأبدان والعقول من الهم والتفكير ، والنهار بما يحصل فيه من عمل ونشاط للكسب وتحصيل الرزق نعمة الله على العباد اقتضتها رحمته بهم فله الحمد وله المنّة.
(٥) أعيد هذا الموقف مرة أخرى ليذكر فيه حالا لم تذكر في الأول وهي : إشهاد الأنبياء على أممهم ، وفي هذا تقرير للنبوة المحمدية إذ هذه الآية كآية (وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً).