الدماء وينتهي الأمر بالسلام والوئام!
وحيث لم يكن للخليفة تدبير إلّا في تطيير الطيور ، لذلك فقد نجحت فيه خدعة الوزير ، واستدعى الوزير من فقهاء بغداد وسائر علمائها أن يحضروا مجلس السلام ، وخرج الخليفة وبيده قضيب النبي (١) صلىاللهعليهوآله وعليه بردته (٢) مع جماعة من العلماء والأعيان وأكابر الدولة إلى بلاط هولاكو ، وأدخلهم هولاكو في مخيّمه ، وحيث اجتمع جمعهم جرّد جنوده سيوف الخيانة والحتوف فيهم. أمّا المستعصم وابنه أبو بكر فقد وضعوهما في جولقين (خرجين) وضربوهما بمكدم الجصّ حتّى ماتا ، وكان ذلك في اليوم الثامن والعشرين من شهر محرّم سنة ٦٥٦ ه ثمّ استباحوا بغداد أربعين يوما ، وقتلوا سائر أولاد المستعصم واسترقّوا بناته ، وكأنّ دخولهم بغداد كان بعد اسبوع من قتل المستعصم ومن اعتصم به ، في الخامس من شهر صفر سنة ٦٥٦ ه ١٢٥٨ م.
وكان هولاكو قد اتّخذ تبريز عاصمة له ، واستوزر بهاء الدين محمد الجويني بعنوان صاحب الديوان ، لإدارة الدولة في إيران ، فتركه في بغداد ورجع هو ونصير الدين الطوسي إلى عاصمته تبريز ، بعد عام من دخوله بغداد في أوائل سنة ٦٥٧ ه ١٢٥٨ م.
ورغّب الطوسي هولاكو في اختيار قاعدة جديدة ، ليقيم فيها أعظم رصد
__________________
(١) عصا صغيرة كان يأخذها رسول الله صلىاللهعليهوآله بيده يسمّى القضيب الممشوق.
(٢) نقل ابن الأثير في الكامل : أنّ البردة كان قد أهداها النبي صلىاللهعليهوآله إلى كعب بن زهير الشاعر واشتراها معاوية من ورثته بعشرين ألف درهم ، فكانت بيد الخلفاء حتّى أحرقها التتار ٢ : ٢٧٦.