وعظّموه وأجلسوه صدر المجلس واجتهدوا في تكريمه وتوقيره وبالغوا في ملاطفته ومطايبته ... وإنّما داخلهم في بحثهم بكلام لا مشروع ولا معقول! ومع ذلك فقد قابلوه بالتحسين والتسليم على وجه التكريم! ولمّا حضرت المائدة بادروا إليه بالآداب ... فألقى الشيخ كمّه في ذلك الطعام وقال لها كلي يا كمّي! فاستغربوا ذلك وتعجّبوا واستفسروه عن ذلك. فقال : أنتم إنّما أكرمتم أكمامي هذه الواسعة ؛ وإلّا فأنا صاحبكم بالأمس ، جئتكم بهيئة الفقراء ولكن بسجية العلماء ، واليوم جئتكم بلباس الجبّارين وتكلّمت بكلام الجاهلين وأنتم رجّحتم الجهالة على العلم والغنى على الفقر ... نعم ، أنا صاحب الأبيات التي كتبتها إليكم في أصالة المال وفرعية صفة الكمال ، وأنتم قابلتموها بالتخطئة!
فاعترف الجماعة له واعتذروا إليه عمّا صدر منهم من التقصير في شأنه قدسسره (١).
ثمّ إلى بغداد :
مرّ آنفا أنّ بهاء الدين محمد الجويني الوالي التتري على بغداد توفّي في سنة ٦٦١ ه ففوّض هولاكو حكومة بغداد إلى ابنه علاء الدين عطاء الملك الجويني ، واستوزر له أخاه شمس الدين محمد بن محمد الجويني. ولا يؤرخ المؤلف المترجم له لدخوله إلى بغداد واتّصاله بالجوينيين وبدئه بشرحه الكبير لنهج البلاغة ، ولكن يؤرّخ لإتمامه ذلك سنة ٦٧٧ ه.
__________________
(١) مجالس المؤمنين ٢ : ٢١٠. والمناسب مع هذه القصة أن تكون هذه السفرة الاولى له إلى الحلة قبل إقامته ببغداد ٦٧٦ ه وفيها كانت مباحثة المحقق الحلّي معه وإقراره له بالفضل ، مجمع البحرين ٦ : ١٧٢ فهذا هو المناسب ، لا بعد إقامته ببغداد وصدور كتبه واشتهاره بها.