على ذلك ، فمع مهارته في العلوم والمعارف وحذاقته في التحقيق والإبداع ، معتزل خامل ، فكتب في جوابهم هذين البيتين من الشعر :
طلبت فنون العلم أبغي بها العلى |
|
فقصّر بي عمّا سموت به القلّ |
تبيّن لي أنّ المحاسن كلّها |
|
فروع ، وأنّ المال فيها هو الأصل |
فلمّا وصل هذا الشعر إليهم كتبوا إليه : «إنّ حكمك بأصالة المال عجيب غريب ، بل خطأ ظاهر ، أقلب تصب» فكتب في جوابهم هذه الأبيات لبعض المتقدمين :
قد قال قوم بغير علم |
|
ما المرء إلّا بأصغريه(١) |
فقلت قول امرئ حكيم |
|
ما المرء إلّا بدرهميه |
من لم يكن له درهم لديه |
|
لم تلتفت عرسه إليه |
ثمّ توجّه إلى العراق لزيارة الأئمة المعصومين عليهمالسلام ، وبعد زيارة تلك المشاهد المشرفة ، توجه إلى الحلّة ، فلبس بعض ثيابه العتيقة الخشنة والرثة ، ودخل بعض مدارسهم المشحونة بالباحثين والدارسين ، فسلّم عليهم فلم يردّ عليه إلّا بعضهم متثاقلا عنه ، ولم يلتفتوا إليه ، فجلس أوّل المجلس في صفّ النعال!
وعكف اولئك في بحثهم على مسألة دقيقة مشكلة ، فأدلى فيها بدلوه وأجاب عنها بتسعة أجوبة في غاية الجودة والدقّة ... ومع ذلك أحضروا طعاما أفردوه بشيء منه على حده ولم يشركوه في مائدتهم! وانفضّ مجلسهم فقاموا.
وفي اليوم التالي عاد إليهم وقد تعمّم بعمامة كبيرة وبملابس فاخرة ذات أكمام واسعة وهيئة رائعة! فلمّا دخل عليهم وسلّم قاموا فرحّبوا به وأكرموه
__________________
(١) ذكرها بعضهم : بأكبريه ، بينما المعروف : المرء بأصغريه ، بقلبه ولسانه ، لا بأكبريه ، ولا أراه إلّا من التصحيح بالغلط.