وقد ذكر السيد المرتضى رحمهالله شرطا في التواتر لا يمكن إنكاره فقال : من شرط حصول العلم بالشيء بحسب التواتر أن لا يسبق إلى ذهن السامع اعتقاد نفي موجب الخبر لشبهة (١) ومعلوم أنّ هذا شرط صحيح ، فإنّا نجد من أنفسنا أنّا متى اعتقدنا نفي شيء اعتقادا جازما استحال لنا أن نعتقد صحّة ضدّه. وإذا كان كذلك فنقول : أنّ تلك النصوص لمّا جزم الخصم بنفي موجبها بحسب ما لاح له من الشبهة لا جرم ما يمكنه الجزم بوجود هذا النصّ المضادّ لليقين ، أمّا من لم يسبق له اعتقاد نفي ذلك الموجب لا جرم حصل له العلم بموجب ذلك النصّ ضرورة ، إذا (٢) كان حصول العلم من النقل هو الدليل على صحّة ذلك التواتر.
وعن الثالث وهو الأوّل من المعارضات أن نقول : إنّ العبّاس لم يقل لعليّ عليهالسلام ذلك لجهله بالنصّ والاستحقاق ، وإنّما مقصوده أن يسأله عن استقامة هذا الأمر فيهم بعده وتسليم الامّة لهم ، وهل المعلوم لله الواقع بعد النبي صلىاللهعليهوآله تمكينهم منه وعدم الحيلولة بينهم وبينه ، فيطمئن لذلك قلبه ويسكن ، أو لا يستقيم ذلك لهم ، بل يكون مع استحقاقهم له كائنا لغيرهم.
ويدلّ على أنّ المراد ذلك تمام الخبر وهو جواب النبي صلىاللهعليهوآله للعباس : «عليّ سبيلكم معشر الشيعة أنتم المظلومون المقهورون» (٣) وهذه التتمّة ممّا جاءت به الرواية ، ولو لا أنّ السؤال من العبّاس كان على الوجه الذي ذكرناه لم يكن لجواب
__________________
(١) بمعناه في الذخيرة : ٤٦٥ ، وفي الذريعة ٢ : ٤٩٢.
(٢) كذا في النسختين ، ويبدو أنّ الصحيح : إذ.
(٣) كذا في النسختين ، وفي الفصول المختارة ٢ : ٢٠٣ جاء النصّ هكذا : «على رسلكم معشر بني هاشم أنتم المظلومون وأنتم المقهورون» وهو الصحيح.