والذي يوضح أنّ شفاعة النبي عبارة عن دعائه في حقّ المشفوع له ، ما رواه مسلم في «صحيحه» عن النبي الأكرم أنّه قال : «ما من ميّت يُصلّي عليه أُمة من المسلمين يبلغون مائة كلّهم يشفعون له إلّا شُفِّعوا فيه» (١).
وفسّر الشارح قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «يشفعون له» بقوله : أي يدعون له ، كما فسّر قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «إلّا شُفِّعوا فيه» بقوله : أي قبلت شفاعتهم.
وروي أيضاً عن عبد الله بن عباس أنّه قال : سمعت رسول الله يقول : «ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلاً لا يشركون بالله شيئاً إلّا شفّعهم الله فيه» (٢) أي قبلت شفاعتهم في حق ذلك الميت فيغفر له.
فإذا كان مرجع الاستشفاع من الصالحين إلى طلب الدعاء ، فكل من يطلب من النبي الشفاعة لا يقصد منه إلّا المعنى الشائع (٣).
إلى هنا تبيّن أنّ طلب الشفاعة يرجع إلى طلب الدعاء ، وهو أمر مطلوب في الشرع من غير فرق بين طلبه من الشفيع في حال حياته أو مماته ، فهو لا يخرج عن حد طلب الدعاء ، وأمّا كونه ناجعاً أو لا؟ فهو أمر آخر نرجع إليه كما مرّ.
والذي يحقّق هذا الأمر هو صدور مثله من السلف الصالح في
__________________
(١) صحيح مسلم : ٤ / ٥٣ ، ط. مصر ، مكتبة محمد علي صبيح وأولاده.
(٢) المصدر نفسه.
(٣) لو كان للشفاعة معنى آخر من التصرف التكويني في قلوب المذنبين ، وتصفيتهم في البرزخ ، ومواقف القيامة فهو أمر عقلي لا يتوجّه إليه إلّا الأوحدي من الناس.