آخر. والآية بصدد بيان الأمر الثاني لا الأوّل. ويدل على ذلك قوله سبحانه : (لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) (البقرة / ٢٧٢). وقال سبحانه : (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) (القصص / ٥٦) ، وقال سبحانه : (وَاللهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ) (الأحزاب / ٤).
فهذه الآيات تؤكد الغاية التي تهدف إليها تلك الآية (أي نفي استقلال النبي بأمر الهداية وإسماعهم) وإن كان يقدر على ذلك بإذنه بقرينة قوله سبحانه : (إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا فَهُمْ مُسْلِمُونَ) (النمل / ٨١ والروم / ٥٣) وقوله سبحانه : (وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا) (السجدة / ٢٤) ، بل يصفه سبحانه بقوله : (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (الشورى / ٥٢) وبذلك يظهر أنّ المستدل أغفل هدف الآية.
والتدبر في الآيات يوحي أنّ النبي الأعظم صلىاللهعليهوآلهوسلم كان حريصاً على هداية الناس وكان راغباً في إسعادهم كما يحكي عنه قوله تعالى : (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) (القصص / ٥٦) وقال تعالى : (وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ) (يوسف / ١٠٣) وقال سبحانه : (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ) (آل عمران / ١٢٨) وقال سبحانه : (لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) (الشعراء / ٣).
كل هذه الآيات تؤكد إلحاح النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وحرصه على هداية أُمته ، وعلى ذلك فيكون المراد من الآيات التي توحي طلب النبي في أمر