سره على العامة أعني على الاشاعرة ، منهم الذين هم الاكثرون عدداً وعدّة ، ومع هذا كلّه قال هذا الناصب ما نقلنا عنه ، أولاً ما هذا لفظه :
ثمّ يعلم ان هذه الحجة باطلة بصريح العقل ، عند كل أحد مع الايمان بالقدر ، وبطلان هذه الحجة لا يقتضي التكذيب بالقدر ، وذلك أن بني آدم مفطورون على احتياجهم إلى جلب المنفعة ودفع المضرة ، ولا يعيشون ولا يصلح لهم دين ولا دنيا إلّا بذلك.
فلا بد أن يتأمروا بما فيه محصل منافعهم ودفع مضارهم ، سواء بعث إليهم رسول أم لم يبعث ، لكن علمهم بالمنافع والمضار بحسب عقولهم وقصودهم ، والرسل صلوات الله عليهم ، بعثوا بتحصيل المصالح وتكميلها ، وتعطيل المفاسد وتقليلها.
فاتباع الرسل أكمل الناس في ذلك ، والمكذبون للرسل انعكس الأمر في حقّهم ، فصاروا يتبعون المفاسد ويعطلون المصالح ، فهم شرّ الناس ، ولا بد لهم مع ذلك من أمور يجتلبونها وأمور يجتنبونها ، وأن يتدافعوا جميعاً ما يضرهم من الظلم والفواحش ونحو ذلك.
فلو ظلم بعضهم بعضاً في دمه ، أو ماله ، أو حرمه ، فطلب المظلوم الاقتصاص والعقوبة ، لم يقبل أحد من ذوي العقول احتجاجه بالقدر ، ولو قال : اعذروني ، فان هذا كان مقدراً عليَّ ، لقالوا : وأنت لو فعل بك ذلك ، فاحتج عليك ظالمك بالقدر ، لم تقبل منه ، وقبول هذه الحجة يوجب الفساد الذي لا صلاح معه ، وان كان الاحتجاج بالقدر مردوداً في فطر جميع الناس وعقولهم ، مع ان جماهير الناس مقرّون بالقدر ، علم أن الاقرار بالقدر لا