فان من أقرّ بالأمر والنهي والوعد والوعيد وفعل الواجبات وترك المحرمات ولم يقل أن الله خلق أفعال العباد ولا يقدر على ذلك ولا شاء المعاصي ، هو قد قصد تعظيم الأمر وتنزيه الله تعالى عن الظلم واقامة حجة الله على نفسه لكن ضاق عطنه فلم يحسن الجمع بين قدرة الله التامة وبين المشية العامة ، وخلقه الشامل وبين عدله وحكمته ، وأمره ونهيه ، ووعده ووعيده ، فجعل الله الحمد ولم يجعل له تمام الملك.
والذين اثبتوا قدرته ومشيّته ، وخلقه وعارضوا بذلك أمره ونهيه ووعده ووعيده شرٌّ من اليهود والنصارى كما قال هذا المصنّف (١).
فان قولهم يقتضي افحام الرسل ، ونحن انما نرد من أقوال هذا وغيره ما كان باطلاً ، وأما الحق فعلينا أن نقبله من كل قائل وليس لأحد أن يردّ بدعة ببدعة ولا يقابل باطلاً بباطل.
والمنكرون للقدر وان كانوا في بدعة فالمحتجّون به على الامر أعظم بدعة وان كان أولئك يشبهون المجوس فهؤلاء يشبهون المشركين المكذبين للرسل ، الذين قالوا : لو شاء الله ما أشركنا ولا آبائنا ولا حرّمنا من دونه من شيء.
وقد كان في أواخر عصر الصحابة رضي الله عنهم جماعة من هؤلاء القدرية ، وأما المحتجون بالقدر على الامر فلا يعرف لهم طائفة من طوائف المسلمين معروفة وانّما كثروا في المتأخرين (٢).
وهذه الكلمات كلّها كما ترى تسليم التشنيعات التي أوردها العلامة قدس
__________________
(١). يعني العلامة رحمهالله.
(٢). منهاج السنة ٢ : ٨.