وأعطى كل رجل منهم ديناراً على نسخه ومقابلته في يوم وليلة ، فكتبوا له الديوان في يوم وليلة وقوبل ثمّ صرفه إلى ولد علي بن المديني ، وقال : انّما نظرت إلى شيء فيه.
وانصرف علي بن المديني فلم يعلم بالخبر ، ثمّ ذهب البخاري فعكف على الكتاب شهوراً واستحفظ ، وكان كثير الملازمة لابن المديني ، وكان ابن المديني يقعد يوماً لأصحاب الحديث يتكلم في علله وطرقه ، فلما أتاه البخاري بعد مدّة قال له : ما جلسك عنّا؟ قال شغل عرض لي ثمّ جعل علي يلقى الأحاديث ويسألهم عن عللها ، فيبدر البخاري بالجواب بنصّ كلام علي في كتابه فعجب لذلك ، ثمّ قال له من اين علمت هذا؟! هذا قول منصوص ، والله ما أعلم أحداً في زماني يعلم هذا العلم غيري ، فرجع إلى منزله كئيباً حزيناً ، وعلم أن البخاري خدع أهله بالمال حتى أباحوا له الكتاب.
ولم يزل مغموماً بذلك ولم يثبت الّا يسيراً حتى مات ، واستغنى البخاري عن مجالسة علي والتفقه عنده بذلك الكتاب ، وخرج إلى خراسان وتفقّه بالكتاب ووضع الكتاب الصحيح والتواريخ فعظم شأنه وعلا ذكره ، وهو أول من وضع في الاسلام كتاب الصحيح ، فصار الناس له تباع بكتابه واشتهر لدى العلماء في تأليف الصحيح انتهى (١).
ووجوه الطعن في البخاري من هذا الكلام ظاهرة الوجه.
الوجه الرابع : ما يدل على بلادته وبُعده عن الفقه ذكر صاحب الكفاية في شرح الهداية في فقه الحنفية ، ما لفظه :
__________________
(١). نقله ابن حجر بالاختصار في : تهذيب التهذيب ٩ : ٤٦.