واذا شرب صبيان بلبن شاة فلا رضاع بينها لأنه لا حرمة بين الآدمي والبهائم ، لأن الحرمة لا تكون الّا بعد الأُميّة والبهيمة لا يتصور أن تكون أُمّاً للآدمي ولاداً وكذا رضاعاً ، وكان محمد بن اسماعيل صاحب الحديث يقول : يثبت به حرمة الرضاع ، وانه دخل في بخارى في زمن الشيخ أبي حفص الكبير وجعل يفتي فقال له الشيخ لا تفعل فلست هنالك فأبى أن يقبل نصيحته حتى استفتي عن هذه المسألة اذا رضع صبيان بلبن شاة فافتى بثبوت الحرمة فاجتمعوا وأخرجوه من بخارى بسبب هذه الفتوى (١).
__________________
(١). المبسوط للسرخسي ٣٠ : ٢٩٧ ، تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق للزيلعي ٢ : ٦٤١ ، وفي المبسوط : قال السرخسي : ولو أن الصبيين شربا من لبن شاة أو بقرة لم تثبت به حرمة الرضاع لأن الرضاع معتبر بالنسب وكما لا يتحقق النسب بين الآدمي وبين البهائم فلذلك لا يثبت حرمة الرضاع بشرب لبن البهائم ، وكان محمد بن اسماعيل البخاري صاحب التاريخ يقول يثبت الحرمة ، وهذه المسألة كانت سبب إخراجه من بخارى فإنه قدم بخارى في زمن أبي حفص الكبير وجعل يفتي ، فنهاه أبو حفص وقال : لست بأهل له ، فلم ينته حتى سئل عن هذه المسألة فأفتى بالحرمة فاجتمع الناس وأخرجوه.
وقال الإِسكندراني في «المتواري في تراجم أَبواب البخاري» : «وبلغني عن الإِمام أَبي الوليد الباجي أَنّه كان يقول : «يسلم البخاري في علم الحديث ، ولا يسلم في علم الفقه».
ويعلّل ذلك بأنَّ أَدلته عن تراجمه متقاطعة ، ويحمل الأَمر على أَنّ ذلك لقصور في فكرته وتجاوز عن حدّ فطرته ، وربما يجدون الترجمة ومعها حديث يتكلّف في مطابقته لها جدّاً ، ويجدون حديثاً في غيرها هو بالمطابقة أَولى وأَجدى ، فيحملون الأَمر على أَنّه كان يضع الترجمة ويفكر في حديث يطابقها ، فلا يعن له ذكر الجليّ فيعدل إِلى الخفي ... إِلى غير ذلك من التقادير التي فرضوها في التراجم التي انتقدوها فاعترضوها».
نعم! ومما اعترضوا على البخاري عدم معرفته بعلم الفقه ، ويذكرون لذلك أَمثلة :
منها : ما ذكره أَبو البركات في «كشف الأَسرار» من كتب الاصولية للحنفية ، أَنَّه قال : المحدِّثُ غير الفقيه يغلط كثيراً ، فقد روي عن محمد بن إِسماعيل صاحب «الصحيح» أَنَّه استفتي في صبيَّين شربا من لبن شاة ، فأَفتى بثبوت الحرمة بينهما. واخرج به من بخارى ، إِذ الاختيَّة تتبع الامِّيَّة ،