ويميل إليه الطبع. ونظير ذلك مأخوذ معتبر في ظرف الاجتماع وعالم الاعتبار ، فالشجاعة والعفّة والعلم والعدالة كلّ ذلك حسن ، ومقابلاتها قبيحة سيّئة. واللباس الكذائي والزيّ الكذائي حسن باعتبار المناسبة لغرض المنطقة أو العادة أو الجماعة ، وقبيحة سيّئة متروكة باعتبار المخالفة لذلك.
وإنّما الفرق بين الحقيقي والاعتباري أنّ الحقائق لا تختلف ولا تتخلّف بخلاف الاعتبارات ؛ لاستنادها إلى امور من الخلق والعادة هي عرضة للتغيّر والاختلاف ، فالزيّ الواحد بعينه يمكن أن يكون حسنا عند قوم أو في زمان أو في مكان أو في حال ، قبيحا سيّئا عند آخرين أو في زمان آخر أو مكان آخر أو حال آخر. والحسن والقبح إذا اخذا حقيقيّين اتّحدا مع الخير والشرّ مصداقا وتقاربا مفهوما ، هذا مفهوما. وأمّا مصداقا فقد قال تعالى : (اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) (١) ، وقال : (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ) (٢) ، وبان بذلك أنّ الحسن يساوق الوجود ، فكلّ موجود حسن من حيث إنّه موجود ، وكلّ حسن موجود من حيث إنّه حسن ، وكذلك مقابل الحسن مع العدم يتلازمان صدقا.
ومن ذلك يظهر أنّ المعدوم والسيّء لا يصدر منه تعالى ، فهذه المصائب والبليّات وما يشبهها والمعاصي والسيّئات من الأعمال غير صادرة منه تعالى ، لكن من الجهة التي فيها من النقص والفساد والقبح. وبالجملة ، الجهات العدميّة دون الجهات الوجوديّة التي فيها ، فهي إذا نسبت إلى مبدأ ومنشأ ينبغي أن تنسب إلى غيره تعالى ، وذلك بسبب الاستقلال الظاهري والإنّية الصوريّة التي ملّكها الله سبحانه إيّاها ، والتزاحم الذي أوجده بينها ، قال سبحانه : (ما أَصابَ
__________________
(١). الزمر (٣٩) : ٦٢.
(٢). السجدة (٣٢) : ٧.