مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (١). وقد عرفت في معنى الإذن أنّه تتميم سببيّة السبب فإصابة المصيبة بإذن الله ، وبالإيمان بالله والعلم بمقامه يهتدي القلب إلى ذلك وأنّه عن علم سابق ، وهو الذي ذكره بقوله : (ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ* لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ) (٢) ، ومع ذلك فالجميع حيث لم يفقدوا جهة الوجود والخلقة نسبوا من تلك الجهة إلى الله سبحانه ، قال تعالى : (وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ فَما لِهؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً) ، وما من شيء يستقبله حادث ولا موصوف يوصف بوصف إلّا باستعداد في نفسه يهيّئه لذلك ، وقد عرفت في سورة البقرة عند قوله : (وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ) (٣) ، أنّ ذلك هو المستفاد من نحو قوله : (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) (٤) ، وقوله : (وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ) (٥) ، وقوله : (وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ) (٦) ، فما ينال موجود شيئا ولا يصيبه من شيء إلّا باستدعاء ذاتيّ ودعاء فطريّ منه ، هذا هو المصحّح لإسنادها إليه كما قال تعالى : (وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ) (٧) والسياق يفيد أنّ العفو ـ وهو إمحاء الأثر ـ في أمثال النقمات ، هذا
__________________
(١). التغابن (٦٤) : ١١.
(٢). الحديد (٥٧) : ٢٢ و ٢٣.
(٣). البقرة (٢) : ١٨٦.
(٤). غافر (٤٠) : ٦٠.
(٥). البقرة (٢) : ١٨٦.
(٦). إبراهيم (١٤) : ٣٤.
(٧). الشورى (٤٢) : ٣٠.