فإنّ الشفيع إنّما يريد بشفاعته أن يتمّ للعاصي أو المحتاج أمرا ما كان يناله وحده ، ويدبّر له ما لا يقوى على تدبيره بالاستدعاء من غير إيجاب فهي ولاية ادّعائية يوجدها الشفيع بالقرب والمنزلة فافهم ذلك.
وبالجملة ، فله سبحانه الولاية المطلقة على كلّ شيء لملكه لذوات الأشياء ولتدبيرها ، قال سبحانه : (أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ فَاللهُ هُوَ الْوَلِيُ) (١) ، وقال : (الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى) (٢) ، فهداية كلّ شيء إلى ما أعطى من الخلقة هو الولاية ، وقال سبحانه : (وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى) (٣) وقال : (ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ ما لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍ) (٤) وقال : (ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ) (٥).
فهذه حقيقة الولاية وهي لله وحده ـ عزّ اسمه ـ تنبعث من الملك الحقيقي ، وتلحق بها الولاية الموهوبة بحسب الملك الموهوب للأسباب المتوسّطة بحسب ما ذهب لها من السببيّة وهذه هي التي يسميّها بالشفاعة قال سبحانه : (ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ما مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ) وقال : (لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللهُ) (٦).
وبالجملة ، فهي حيثيّة حقيقيّة غير متغيّرة ولم تنسب إلى المليكة ولاية غير ما في قوله : (فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ) (٧) ، وقوله : (نَحْنُ
__________________
(١). الشورى (٤٢) : ٩.
(٢). طه (٢٠) : ٥٠.
(٣). الأعلى (٨٧) : ٣.
(٤). السجدة (٣٢) : ٤.
(٥). يونس (١٠) : ٣.
(٦). النجم (٥٣) : ٢٦.
(٧). التحريم (٦٦) : ٤.