المكذبين ، أو المصيبات الدواهي ، حتى صاروا مثلا لمن بعدهم. فمالهم لم يعتبروا ، ولم يخافوا حلول مثلها عليهم؟ (وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ) أي : مع ظلمهم أنفسهم بالكفر والمعاصي ، فسترهم وأمهلهم فى الدنيا. فالمغفرة هنا لغوية ، وقيل : يغفر لهم بالتوبة. وقيل : بلا قيد التوبة ، بل بمجرد الحلم. قال البيضاوي : وفيه جواز العفو قبل التوبة ، فإن التائب ليس على ظلمه ، ومن منع ذلك خص الظلم بالصغائر المكفرة باجتناب الكبائر. ه. (وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقابِ) لمن يريد تعذيبه ، أو للكفار. وعن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «لو لا عفو الله وتجاوزه ما هنأ أحد العيش ، ولو لا وعيده وعقابه لاتّكل كلّ أحد» (١). قاله البيضاوي.
الإشارة : ترى بعض المستهزئين بالأولياء يؤذيهم بلسانه ، أو بغيره ، ويقول : إن كان بيده ما يفعل يفعله بي ، والله تعالى يقول : «من آذى لى وليّا فقد آذنته بالحرب». ولكن الحق تعالى يمهل ولا يهمل ؛ (وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقابِ).
ثم طلبوا المعجزة ، كما قال تعالى :
(وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ (٧) اللهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَما تَزْدادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ (٨) عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعالِ (٩) سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسارِبٌ بِالنَّهارِ (١٠) لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ...)
قلت : (وَسارِبٌ) : عطف على جملة (مَنْ هُوَ) أي : ومن هو سارب ، ليكمل التقسيم أربعة : من أسر ، ومن جهر به ، ومن استخفى ، ومن سرب ؛ أي : برز. انظر ابن جزى. و (الْمُتَعالِ) : منقوص ، يجوز فى الوقف عليه حذف الياء وإثباتها ، وكذلك : هاد ، وواق ، وشبهه ، غير أن الراجح فى المعرّف بأل الإثبات ، وفى المنوّن : الحذف. قال ابن مالك :
وحذف يا المنقوص ذى التّنوين ما |
|
لم ينصب) أولى من ثبوت فاعلما |
وغير ذى التّنوين بالعكس ، وفى |
|
نحو مر : لزوم ردّ اليا اقتفى |
وأثبتها ابن كثير فى الجميع ، ووافقه يعقوب فى المعرّف بأل ، وحذفها غيره مطلقا.
__________________
(١) أخرجه ابن أبى حاتم فى تفسيره (١٢١٤٥) عن سعيد بن المسيب ، مرسلا ، وزاد فى الفتح السماوي (٢ / ٧٣٨) عزوه للثعلبى.