باطل مخالف لهما. وإذا قلنا المقتسمين : هم كفار قريش ، حيث اقتسموا أبواب مكة ، فقد جعلوا القرآن عضين ؛ أجزاء متفرقة ، فقد قسموه إلى شعر وسحر وكهانة وأساطير الأولين ، أو جعلوه بهتانا متعددا ، على تفسير العضة بالبهت. وفى الحديث : «لعن رسول الله صلىاللهعليهوسلم العاضهة والمستعضهة» (١) أي : الباهتة ، والمستبهتة : الطالبة له.
قال تعالى فى وعيد المقتسمين : (فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ) من التقسيم والتكذيب ، أو عن كل ما عملوه من الكفر والمعاصي ، وفى البخاري : «لنسألنهم عن لا إله إلا الله». فإن قيل : كيف يجمع بين هذا وبين قوله : (فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌ)؟ (٢) فالجواب : أن السؤال المثبت هو على وجه الحساب والتوبيخ ، والسؤال المنفي هو على وجه الاستفهام المحض ؛ لأن الله تعالى يعلم الأعمال ، فلا يحتاج إلى سؤال. وقيل : فى القيامة مواطن وخوارق ، فموطن يقع فيه السؤال ، وموطن يذهب بهم إلى النار بغير سؤال.
قال تعالى لنبيه عليه الصلاة والسلام : (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ) : فاجهر ، وصرح به ، وأنفذه ، من صدع بالحجة : إذا تكلم بها جهارا. أو : فرّق ، بما تؤمر به ، بين الحق والباطل ، وأصله : الشق والإبانة ، وما : مصدرية ، أو موصولة ، والعائد محذوف ، أي : بما تؤمر به من الشرائع. (وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) فلا تلتفت إلى ما يقولون ، ولا يمنعك ذلك من تبليغ الوحى والصدع به وإظهاره.
(إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ) بك ، وبما أنزلنا إليك ؛ بأن أهلكنا كل واحد منهم بمصيبة تخصه ، من غير سعى من النبي صلىاللهعليهوسلم فى ذلك. وكانوا خمسة من أشراف قريش : الوليد بن المغيرة ، والعاصي بن وائل ، وعدى بن قيس ، والأسود بن المطلب ، والأسود بن يغوث ، كانوا يبالغون فى إيذاء النبي صلىاللهعليهوسلم ، والاستهزاء به ، فقال جبريل للنبى صلىاللهعليهوسلم : «أمرت بأن أكفيكهم» فأومأ إلى ساق الوليد فمرّ بنبّال فتعلق بثوبه سهم ، فلم ينعطف لأخذه ، تعظما ، فأصاب عرقا فى عقبه فمات. وقيل : خدش بأسفل رجله فمات من تلك الخدشة. وأومأ إلى أخمص العاص ؛ فدخلت فيها شوكة ، فانتفخت حتى صارت كالرحى ، فمات. وأشار إلى أنف الحارث فامتخط قيحا فمات. وأومأ إلى الأسود ابن عبد يغوث ، وهو قاعد فى أصل شجرة ، فجعل ينطح رأسه بالشجرة ، ويضرب وجهه بالشوك حتى مات. وقيل : استسقى بطنه فمات ، ولعله جمع بينهما. وأومأ إلى عينى الأسود بن المطلب فعمي. وفى السيرة ، بدل عدى بن قيس ، الحارث بن الطلاطلة ، وأن جبريل أشار إلى رأسه فامتخط قيحا فقتله (٣).
__________________
(١) عزاه فى الفتح السماوي (٢ / ٧٥٢) لابن عدى فى الكامل من حديث ابن عباس ، وفى إسناده ضعف.
وقوله : العاضهة والمستعضهة : أي : الساحرة والمستسحرة ... انظر النهاية (٣ / ٢٥٥).
(٢) الآية ٣٩ من سورة الرحمن.
(٣) أخرجه الطبراني فى الأوسط ، كما فى المجمع (٧ / ٤٦) ، وأبو نعيم فى الدلائل ، (باب قوله : فاصدع بما تؤمر ٢ / ٣١٦) والبيهقي فى الدلائل (باب المستهزءون وأسماؤهم) من حديث ابن عباس رضي الله عنه.