ثم ذكر ما أحدث بنو إسرائيل ، وما جرى عليهم فى القضاء السابق ، فقال : ـ
(وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً (٤) فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ وَكانَ وَعْداً مَفْعُولاً (٥) ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً (٦) إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا ما عَلَوْا تَتْبِيراً (٧) عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنا وَجَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً (٨))
يقول الحق جل جلاله : (وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ) أي : أخبرناهم وأوحينا إليهم (فِي الْكِتابِ) ؛ التوراة ، وقلنا : والله (لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ) إلخ. أو : قضينا عليهم (فِي الْكِتابِ) ؛ اللوح المحفوظ ، (لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ) أي : إفسادتين ، أولاهما : مخالفة أحكام التوراة وقتل أشعياء ، وقيل : أرمياء. وثانيتهما : قتل زكريا ويحيى ، وقصد قتل عيسى عليهالسلام ، (وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً) ؛ ولتستكبرن عن طاعة الله ، أو لتظلمن الناس وتستعلون عليهم علوا كبيرا.
(فَإِذا جاءَ وَعْدُ) ؛ عقاب (أُولاهُما) أي : أول مرتى الإفساد ؛ بأن أفسدوا فى الأرض المرة الأولى (بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا) ؛ بختنصر وجنوده (أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ) ؛ ذوى قوة وبطش فى الحرب شديد ، (فَجاسُوا) ؛ فترددوا لطلبكم (خِلالَ الدِّيارِ) ؛ وسطه ؛ ، للقتل أو الغارة ، فقتلوا كبارهم وسبوا صغارهم ، وحرقوا التوراة ، وخربوا المسجد. وفى التذكرة للقرطبى : أنه سلّط عليهم فى المرة الأولى بختنصر ، فسباهم ، ونقل ذخائر بيت المقدس على سبعين ألف عجلة ، وبقوا فى يده مائة سنة. ثم رحمهمالله تعالى وأنقذهم من يده ، على يد ملك من ملوك فارس ، ثم عصوا ، فسلط عليهم ملك الروم قيصر. ه. قال تعالى : (وَكانَ وَعْداً مَفْعُولاً) أي : وكان وعد عقابهم وعدا مقضيا لا بد أن يفعل.
(ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ) أي : الدولة والغلبة (عَلَيْهِمْ) أي : على الذين بعثوا عليكم ، فرجع الملك إلى بنى إسرائيل ، واستنقذوا أسراهم ، فقيل : على يد «بهمن بن إسفنديار» ؛ ملك فارس ، فاستنقذهم ، ورد أسراهم إلى الشام ، وملّك دانيال عليهم ، فاستولوا على من كان فيها من أتباع بختنصر ، وقيل : على يد داود عليهالسلام حين قتل جالوت. قال تعالى : (وَأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً) أي : عددا مما كنتم. والنفير : من ينفر مع الرجل من قومه ، وقيل : جمع نفر ، وهم : المجتمعون للذهاب إلى الغزو.