قلت : (خَشْيَةَ) : مفعول من أجله ؛ لأن الخشية قلبية ، بخلاف الإملاق ، فإنه حسى ؛ فجرّ بمن فى سورة الأنعام. (١) وهذه الآية فى أغنياء العرب ، الذين كانوا يخشون وقوع الفقر ، وما فى «الأنعام» نزلت فى فقرائهم ، الذين كان الفقر واقعا بهم ، ولذلك قدّم هناك كاف الخطاب ، وأخّره هنا ، فتأمله. و (خِطْأً) يقال : خطئ خطأ ، كأثم إثما. وقرأ ابن عامر : (خِطْأً) ، بفتحتين ، فهو إما اسم مصدر أخطأ ، أو لغة فى خطئ ، كمثل ومثل ، وحذر وحذر. وقرأ ابن كثير : «خطاء» ؛ بالمد ، إما لغة ، أو مصدر خاطأ. انظر البيضاوي.
يقول الحق جل جلاله : (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ) مخافة الفاقة المستقبلة ، وقد كانوا يقتلون البنات ـ وهو الوأد ـ مخافة الفقر ، فنهاهم عن ذلك ، وضمن لهم أرزاقهم ، فقال : (نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ ، إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً) ؛ إثما (كَبِيراً) ؛ لما فيه من قطع التناسل وانقطاع النوع وإيلام الروح. (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى) ، نهى عن مقاربته بالمقدمات. كالعزم ، والنظر وشبهه ، فأحرى مباشرته ، (إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً) أي : فعلة ظاهرا فحشها وقبحها ، (وَساءَ سَبِيلاً) ؛ قبح طريقا طريقه ، وهو غصب الأبضاع ؛ لما فيه من اختلاط الأنساب وهتك محارم الناس ، وتهييج الفتن.
(وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِ) ؛ إلا بإحدى ثلاث : كفر بعد إيمان ، وزنى بعد إحصان ، وقتل مؤمن معصوم ؛ عمدا ، كما فى الحديث (٢). ويلحق بها أشياء فى معناها : كالحرابة ، وترك الصلاة ، ومنع الزكاة. (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً) أي : غير مستوجب للقتل (فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ) أي : الذي يلى أمره بعد وفاته ، وهو الوارث ، (سُلْطاناً) ؛ تسلطا بالمؤاخذة بمقتضى القتل بأخذ الدية ، أو القصاص ، وقوله : (مَظْلُوماً) : يدل على أن القتل عمد ؛ لأن الخطأ لا يسمى ظلما. أو : جعلنا له حجة غالبة ، (فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ) ؛ بأن يقتل من لا يحق قتله ، أو بالمثلة ، أو قتل غير القاتل ، (إِنَّهُ) أي : الولي (كانَ مَنْصُوراً) ؛ حيث وجب القصاص له ، وأمر الولاة بمعونته. أو : إنه ، أي : المقتول ، كان منصورا فى الدنيا ؛ بثبوت القصاص ممن قتله ، وفى الآخرة بالثواب.
(وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ) فضلا عن أن تتصرفوا فيه (إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) ؛ إلا بالطريقة التي هى أحسن ، كالحفظ والتنمية ، (حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ) ؛ حتى يتم رشده ، ثم يدفع له ، فإن دفعه لمن يتصرف فيه بالمصلحة فلا بأس ، (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ) إذا عاهدتم الله أو الناس ، (إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلاً) أي : مطلوبا الوفاء
__________________
(١) فى قوله تعالى : (قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ...) الآية ١٥١.
(٢) أخرجه البخاري فى (الديات ، باب قول الله تعالى : (أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) ... إلخ) ، ومسلم فى (القسامة ، باب ما يباح به دم المسلم) عن عبد الله بن مسعود ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأنى رسول الله ، إلا بإحدى ثلاث : الثيب الزاني ، والنفس بالنفس ، والتارك لدينه المفارق للجماعة».